لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن(34)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الرابعة والثلاثون: الحوثي والاعتقالات والسجون
منذ أن بسطت جماعة الحوثي قبضتها على مفاصل الدولة في اليمن، تحول الوطن إلى سجن كبير مفتوح على الخوف، وصار الأمن في قاموسهم أداة للقمع لا للحماية، وسلاحا لإخضاع الشعب لا لصون كرامته.
لم تعد السجون وسيلة للإصلاح، بل تحولت إلى مقابر للأحرار ودهاليز تغتال فيها الكلمة والإنسان.
فمع اجتياح صنعاء في سبتمبر عام 2014م، بدأت الجماعة حملة اعتقالات واسعة طالت معارضين وصحفيين وأئمة مساجد.
ذكرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (OHCHR) في تقاريرها عن تلك الفترة أن الحوثيين نفذوا حملات احتجاز تعسفية في صنعاء وذمار وإب وصعدة، وشملت الاعتقالات أعضاء أحزاب سياسية ومدنيين.
وخلال عام 2015، وثقت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان أولى التقارير عن السجون السرية الحوثية في صعدة وصنعاء، مؤكدة أن الجماعة احتجزت المئات في أماكن غير معلومة دون تهم أو محاكمة.
وفي عام 2016م، نشرت منظمة العفو الدولية (Amnesty International) تقريرا بعنوان اليمن: حياة معلقة بين الجدران، وثقت فيه حالات اختفاء قسري وتعذيب مروع في سجون الحوثيين، منها الضرب، والصعق بالكهرباء، والتعليق بالسلاسل، والحرمان من الطعام والنوم.
وبحلول عام 2017م، كانت الجماعة قد أنشأت جهازا يعرف بالأمن الوقائي، يشرف عليه قادة ميدانيون من صعدة، ومهمته مراقبة المواطنين والتجسس عليهم.
وقد أكدت هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) في تقريرها السنوي لعام 2018م أن هذا الجهاز يتصرف ككيان فوق القانون، يمارس الاعتقال والإخفاء والتعذيب، ويحتجز أشخاصا لمجرد الاشتباه في معارضتهم الفكرية أو الدينية.
وفي عام 2019م، نشرت شهادات صادمة في تقارير رابطة أمهات المختطفين، ذكرت فيها أن : مئات الأمهات يزرن السجون أسبوعيا في صنعاء بحثا عن أبنائهن المختفين قسرا، وأن الحوثيين يساومون الأسر على المال مقابل السماح بزيارة أو معلومة.
وفي يونيو عام 2021م نشرت وكالة رويترز تقريرا يتضمن شهادة أحد الناجين من سجون الحوثيين قال فيها: (كانوا يعلقوننا بالسلاسل من الأيدي، ويتركوننا أياما بلا طعام، ويجبروننا على ترديد الصرخة: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام.
ومن يرفض يضرب حتى الإغماء.
وفي العام نفسه، أكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (OHCHR) أن الحوثيين نفذوا حملات اعتقال جماعية في عدة محافظات، استهدفت طلابا وصحفيين وأئمة مساجد وناشطين.
وفي أغسطس عام 2022م، أجرى أحد المسؤولين المنشقين مقابلة مع قناة العربية، كشف فيها أن السجون الحوثية لا تدار من وزارة الداخلية، بل بتوجيهات من مكتب عبدالملك الحوثي مباشرة، وتحت إشراف قيادات من صعدة.
أما هيومن رايتس ووتش عام (2022م) فقد أصدرت تقريرا أكدت فيه أن الحوثيين يستخدمون الاعتقال والاحتجاز كأداة سياسية لإسكات الخصوم وابتزاز عائلاتهم ماليا.
وفي مارس عام 2023م، نشرت صحيفة الشرق الأوسط تحقيقا وثق وجود أكثر من 180 سجنا ومعتقلا سريا في مناطق سيطرة الحوثيين، بينها سجون داخل منازل ومساجد ومبان حكومية ومدارس.
وفي العام نفسه، ذكرت منظمة العفو الدولية أن هناك أكثر من 120 حالة وفاة تحت التعذيب في السجون الحوثية خلال السنوات الأخيرة.
أما منظمة SAM للحقوق والحريات عام (2023م) فقد نقلت شهادة لأحد المعتقلين السابقين قال فيها: (كنت أسمع صراخ المعتقلين ليل نهار، بعضهم مات أمامي تحت التعذيب، وآخرون فقدوا عقولهم، كل ذلك لأنهم رفضوا ترديد شعار حسين الحوثي أو لأنهم قالوا لا).
وفي تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة عام (2023م)، ورد أن جماعة الحوثي أنشأت شبكة واسعة من السجون والمعتقلات السرية تمارس فيها الانتهاكات بحق المدنيين، وتستخدمها لترسيخ سلطتها بالقوة.
وفي عام 2024م، أكدت رابطة أمهات المختطفين استمرار معاناة مئات الأسر في صنعاء وذمار والحديدة وتعز، حيث تواصل الجماعة احتجاز الآلاف دون محاكمات عادلة، وتمارس ضدهم الابتزاز المالي والنفسي.
إنها ليست سجونا فحسب، بل مقابر للضمير.
من يجرؤ على الاعتراض يتهم بأنه داعشي أو عميل، ثم يخطف ويخفى قسريا، بينما تتخذ الجماعة من معاناة أهالي المعتقلين وسيلة لجمع الأموال تحت غطاء المجهود الحربي.
لقد صار السجن في عهد الحوثي وسيلة لإرهاب المجتمع وإخضاعه، لا لتطبيق العدالة.
لقد، تحولت شعارات الثورة القرآنية المزعومة إلى غطاء للظلم والنهب وإذلال الإنسان.
فكل جدار في تلك الزنازين يحفظ أنين المقهورين، وكل دمعة أم عند أبواب المعتقلات دعوة تسجل في السماء، وسيأتي يوم ينتصر الله فيه للمظلوم.