لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن(33)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الثالثة والثلاثون: الحوثي واستضعاف الشعب
لم يعرف اليمن في تاريخه الحديث زمنا أثقل على كاهله من زمن الحوثي، فقد سلِبت منه إرادته، وأُخمد صوته، وصار الشعب كله أسيرا في وطنه، يستضعف في قوته، ويرهق في معيشته، ويهان في كرامته، وكأن الجماعة لا ترى في الناس مواطنين شركاء، بل عبيدا خلقوا لخدمة السيد ومشروعه السلالي.
منذ أن تسللت الميليشيا إلى مؤسسات الدولة، استحوذت على القرار السياسي والاقتصادي والإعلامي، وجعلت من نفسها وصية على حياة الناس، ففرضت الإتاوات باسم المجهود الحربي، وجمعت الضرائب والزكوات بالقوة، واستباحت أموال الفقراء تحت شعارات زائفة كدعم الجبهات وخدمة القرآن.
حتى صدقات الناس لم تسلم من أيديهم، فأصبح العطاء قهرا، والزكاة إتاوة، والرزق مقسوما بميزان الولاء لا بعدالة الشريعة.
أما الشعب فغارق في أزماته؛ لا كهرباء، ولا مرتبات، ولا دواء، ولا أمل.
تنهب ثروات البلاد في وضح النهار، وتصرف على الحروب والولاءات، بينما يقف المواطن في طوابير البترول والغاز، ويرقب أطفاله وهم يذوبون جوعا، والسيد يخطب فيهم عن الصبر والثبات والعداء لأمريكا!
لقد امتهن الحوثي كرامة الناس باسم الدين، وجرهم إلى الحروب باسم الولاية، ثم تركهم يدفنون أبناءهم بلا اكتراث.
وحين ضج الشعب من الفقر والظلم، وصفهم بالمرجفين والمنافقين، وكأن الصبر على الذل عبادة، والسكوت على الجوع طاعة.
تغلغل الخوف في البيوت، وصار المواطن لا يجرؤ أن يقول رأيا أو يشتكي ظلما، لأن العيون في كل مكان، والوشاية كلمة قد تودي بصاحبها إلى غياهب السجن.
وهكذا صنعت جمهورية الرعب، تدار بالتهديد والتجويع، لا بالقانون والعدالة.
إن الحوثي لم يأتِد ليحرر الشعب كما زعم، بل ليستعبده من جديد. استبدل عبودية المستعمر بعبودية السلالة، وبدل سيادة الشعب بسيادة الولي، فصار اليمنيون غرباء في وطنهم، لا يملكون من أمرهم شيئا، إلا أن ينتظروا فرج الله.
لكن التاريخ يعلمنا أن الشعوب مهما طحنت، فإنها لا تكسر، وأن الاستضعاف مهما طال، لا يدوم، وكما قال الله تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).
وسيبقى هذا الشعب العظيم -رغم الجوع والخوف والسجون- حيا بإيمانه، صامدا بكرامته، مؤمنا أن لليل نهاية، وأن من استضعف الناس اليوم، سيستضعف غدا حين تشرق شمس العدل من جديد، وتعاد لليمن هيبته، ولشعبه عزته، وللحق مكانه.