لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن(59)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة التاسعة والخمسون: الحوثي والإصلاح الإداري: من التدمير الممنهج إلى التوظيف الطائفي
في بلد أنهكته الحرب وأرهقته الصراعات، يقف الإصلاح الإداري في اليمن شاهدا على واحدة من أخطر صور العبث الممنهج الذي تمارسه جماعة الحوثي منذ سيطرتها على مؤسسات الدولة.
فبدلا من أن يكون الإصلاح الإداري أداة للنهوض بالمؤسسات وتحسين الأداء الحكومي، حوله الحوثيون إلى وسيلة للتمكين الطائفي والسيطرة الوظيفية، من خلال إحلال الموالين محل الكفاءات، وتفكيك الهياكل الإدارية، وإقصاء كل من لا ينتمي إلى فكر الجماعة.
لقد تحول الجهاز الإداري للدولة إلى شبكة ولاءات مذهبية تدار وفق مبدأ الولاية، لا وفق معايير الكفاءة والنزاهة، ما أدى إلى شلل إداري شامل، وفساد متصاعد، وانهيار مؤسساتي طال كل قطاعات الدولة.
إن هذا الموضوع يسعى إلى كشف أبعاد هذا التدمير الممنهج للإصلاح الإداري في مناطق سيطرة الحوثي، وكيف وظفته الجماعة لخدمة مشروعها الطائفي والسياسي، على حساب الوطن والمواطن والمؤسسة العامة.
أولا: تدمير المؤسسات الإدارية.
منذ سيطرة جماعة الحوثي بدأت الجماعة في تدمير المؤسسات الإدارية للدولة بشكل ممنهج.
فقد تم إلغاء العديد من الوزارات والهيئات الحكومية، مثل وزارة الشؤون القانونية، واستبدالها بمكاتب تابعة مباشرة للمجلس السياسي الأعلى، الذي تسيطر عليه الجماعة. كما تم تقليص عدد الوزارات من 32 إلى 19 وزارة، مما أدى إلى تعطيل العمل الحكومي وتدهور الخدمات العامة.
ثانيا: إحلال كوادر موالية.
في إطار سعيها لتعزيز قبضتها على الدولة، قامت جماعة الحوثي بإحلال كوادر موالية لها في المناصب الإدارية الحساسة.
تم تعيين أفراد من الحركة في مواقع قيادية في الوزارات والهيئات الحكومية، مما أدى إلى تراجع كفاءة الأداء الإداري وتفشي الفساد.
وفقا لتقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط في سبتمبر 2024م، فإن الجماعة تعمل على استحداث هيئات وإدارات جديدة، وتغيير هيكل معظم الوزارات والقطاعات، مع إعداد قوائم بأتباعها الذين سيتم تعيينهم بدلا من الموظفين السابقين.
ثالثا: استهداف الكوادر المهنية.
لم تقتصر ممارسات جماعة الحوثي على إحلال كوادر موالية فحسب، بل شملت أيضا استهداف الكوادر المهنية المستقلة.
تم فصل العديد من الموظفين المؤهلين من وظائفهم بسبب انتماءاتهم السياسية أو الدينية، مما أدى إلى فقدان الدولة لخبرات وكفاءات مهمة.
رابعا: تدهور الخدمات العامة.
أدى تدمير المؤسسات الإدارية وإحلال كوادر غير مؤهلة إلى تدهور الخدمات العامة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
فقد شهدت قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه تراجعا كبيرا في مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في عام 2025م، فإن 60% من المنشآت الصحية في مناطق سيطرة الحوثيين مغلقة أو تعمل بشكل جزئي، مما يؤثر سلبا على صحة المواطنين.
خامسا: تراجع الدعم الدولي.
أدت ممارسات جماعة الحوثي في تدمير المؤسسات الإدارية إلى تراجع الدعم الدولي لليمن.
ففي سبتمبر 2025م، قررت الأمم المتحدة نقل مكتب المنسق المقيم في اليمن إلى مدينة عدن، بعد أن احتجز 18 موظفا من موظفيها في صنعاء من قبل جماعة الحوثي.
ورغم نقل المكتب، سيواصل المنسق المقيم أداء مهامه في أنحاء اليمن، بما في ذلك صنعاء.
وقد رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ومقرها عدن بهذا القرار، وطالبت البرامج الأممية الأخرى باتخاذ خطوة مماثلة، كما دعت إلى الإفراج الفوري عن الموظفين المعتقلين.
سادسا: التحديات المستقبلية.
يواجه اليمن تحديات كبيرة في مجال الإصلاح الإداري، تتطلب جهودا متكاملة من جميع الأطراف المعنية.
من الضروري تعزيز استقلالية المؤسسات الحكومية، وتطوير الكوادر البشرية، وتحسين مستوى الخدمات العامة، لضمان استعادة الدولة لفاعليتها وقدرتها على تلبية احتياجات المواطنين، ولا يتم ذلك إلا بطرد ميلشيا السلالة.
إن تدمير المؤسسات الإدارية وتوظيفها لصالح أجندات سياسية ضيقة يشكل تهديدا خطيرا لاستقرار الدولة اليمنية.
ويتطلب الوضع الحالي إصلاحات جذرية وشاملة في جميع مؤسسات الدولة، لضمان عودة الخدمات العامة إلى مستوياتها الطبيعية، وتحقيق التنمية المستدامة، والحفاظ على وحدة الوطن وسلامته، فإن الحوثي قد أفسد كل شئ.