السبت 18 ربيع الآخر 1447 هـ || الموافق 11 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن    ||    عدد المشاهدات: 175

لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن (7)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

الحلقة السابعة: الحوثي والإعلام (ماكينة الكذب وتجميل الطغيان)


وقت الأزمات، يفترض بالإعلام أن يكون عين الشعب ولسانه، يفضح الفساد، ويحمي الوعي، ويعرض الحقيقة من غير تزوير. لكن في عهد الحوثي، لم يكن الإعلام سوى سيفٍ مسموم، يقطّع به الحق، ويلمع به الباطل، ويغرق الناس في طوفان من الكذب المُقدس، والدعاية المغلفة باسم الدين والجهاد، والمقاومة.

كنت أتردد على سوريا أيام الرئيس بشار الأسد، وكنت أشاهد الإعلام السوري وأتعجب من كثرة ما فيه من تزييف الحقائق، وكميات الكذب، وتقديس القامة الأسدية، وكأنها آلهة تعبد من دون الله، ومثل ذلك رأيته في لبنان أيام دراستي وأنا أشاهد إعلام وقنوات حزب الله.

واليوم الإعلام الحوثي تجدونه نسخة طبق الأصل لمن سبقه من المزورين الكهنوتيين.

وعودة إلى الإعلام الإيراني، وستجد الأم هي التي ربت بناتها على تزييف الحقائق، هكذا هو الطابع الكهنوتي واحد أينما تسلط.

لم يقم الحوثي إعلاما ليخبر، بل ليخدر.

لم يصنع منابر ليبني وعي الناس، بل ليفرغ عقولهم ويملأها بهتافات الموت، وصور السيد، وتجميل وجه الطغيان.

وإليكم أبرز المحاور في هذا الباب:

أولا: السيطرة الكاملة، وقمع الصوت الآخر.

منذ الأيام الأولى للانقلاب، اقتحم الحوثيون المؤسسات الإعلامية: قنوات، وإذاعات، وصحفا، ومواقع إلكترونية. نهبوا المعدات، أغلقوا المكاتب، وطردوا الصحفيين الذين لا يخضعون لتوجههم.

أكثر من 150 وسيلة إعلامية أُغلقت أو صودرت منذ عام 2014م.

عشرات الصحفيين فصلوا أو اعتقلوا أو هدّدوا، غير القتلى منهم.

لا صوت في مناطقهم إلا صوت الجماعة، ولا خبر ينشر إلا بعد موافقة الرقابة الثقافية.

فأصبح الإعلام مجرد بوق، لا ينقل ما يحدث، بل ما يريد الحوثي أن يراه الناس.

ثانيا: تسويق الكذبة الكبرى.

كل يوم تبث قنوات الحوثي تقارير تمجد الجماعة، وتكذب على الناس باسم الكرامة، والسيادة، والعدوان، حتى صار المواطن البسيط حائرا: أيرى الحقيقة في واقعه البائس؟ أم في الشاشة التي تقول إنهم منتصرون، وأن الاقتصاد بخير، وأن الشعب ملتف حول سيد مختفي، لا يعرفه الشعب، خائف على نفسه، يقبع تحت الأرض، لا يظهر لهم إلا على الشاشة بين فترة وأخرى؟

يكذبون على الناس كذبا منظما لا يتوقف:

الجوع سببه: العدوان، لا فسادهم.

الرواتب أوقفها المرتزقة، لا سرقتهم.

القصف الحوثي على تعز ومأرب ومناطق شرعية أخرى لا يذكر، بينما يضخم أي قصف مضاد وكأنه مذبحة.

كل شيء يقلب، وكل جريمة تلمع، وكل صوت يدافع عن الحق يسكت أو يخون.

ثالثا: الإعلام الطائفي المسموم.

لم يكتفِ الحوثي بتوجيه الإعلام سياسيا، بل استخدمه لتسميم العقول طائفيا.

فتحت شعار الثقافة القرآنية المزعومة، تبث خطب حسين الحوثي يوميا، وتكرّر الشعارات الطائفية في كل برنامج، ويعاد اجترار مفاهيم الولاية، والحق الإلهي، وآل البيت، والصرخة حتى في البرامج التربوية والصحية!

صار الإعلام منبرا لتشويه التاريخ، وتحريف العقيدة، واستحقار علماء الأمة، ورفع الجماعة فوق الجميع.

رابعًا: تكميم الأفواه وقمع الصحافة.

الصحفي في مناطق الحوثي يعيش في خطر دائم.

إما أن يتحدث بلغة الجماعة، أو يتهمونه بالخيانة، أو يسجن، أو يخفى قسرا.

الصحف المستقلة اختفت، الصحفيون فروا، والناشطون قمعوا، والمدونون هددوا.

وحتى من ينتقد الفساد المالي داخل الجماعة، يسكت صوته، ولو كان منهم.

صار صوت التعبير تهمة، والحياد خيانة، والبحث عن الحقيقة نوعا من العمالة.

خامسا: استغلال المنصات للدعاية القتالية.

تحولت القنوات والإذاعات والمنابر الإعلامية إلى آلة تجييش وتجنيد:

تبث مشاهد القتلى وتصفهم بالشهداء لتغري الأطفال بالالتحاق بالجبهات.

تعرض فعاليات التعبئة وتروج لخطاب الكراهية ضد العدو الداخلي (الشعب) والخارجي (أنصار الشعب).

تقدم القصص والبرامج من زاوية واحدة فقط: زاوية التمجيد للسيد، والشيطنة لكل معارض.

الإعلام لم يعد مرآة للواقع، بل سلاحا يشهر في وجه الحق.

هذا هو الإعلام في زمن الحوثي: لا خبر إلا ما أرادوا،

ولا صوت إلا صوتهم، ولا صورة إلا لما يجمل وجه الطغيان.

هو إعلام لا يرى الجائع، ولا يسمع صراخ الأرامل، ولا يعرض قصفهم، ولا يذكر خطاياهم.

هو إعلام الحاكم لا إعلام الشعب.

هو آلة تضليل لا وسيلة توعية.

فهل بعد ذلك يقال إنهم ينشرون ثقافة قرآنية؟!

القرآن يحرم الكذب، ويجرم تزوير الحقائق، فكيف ينسب إليه إعلام مليء بالخداع والكذب المكشوف؟!!!!

والله من وراء القصد.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام