لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن (9)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة التاسعة: الحوثي والمساجد، بيوت الله أم منصات الصراخ، والإفساد؟
المسجد في الإسلام: بيت الله، وموطن العبادة، ومركز العلم، ومأوى القلوب الطاهرة. هو مكان يجمع الناس على الطاعة، وعلى دعوة الخير، وعلى نبذ الفرقة.
لكن في مناطق الحوثي، تحول المسجد إلى مسرح لخطابات التحريض، ومنبر لغسل الأدمغة، وساحة لتكريس الطائفية، وتجميع المقاتلين، وتهديد المخالفين.
وإليك أخي القارئ أبرز المحاور في هذا الباب، بإيجاز:
أولا: الهيمنة على الخطباء والوعاظ.
لم يكن الحوثي يهتم بالخطيب الذي يدعو إلى الوسطية، أو يحث على الأخلاق، أو يحافظ على وحدة الصف، بل كانت أولى خطواته السيطرة الكاملة على الخطباء، وتعيين وعاظ موالين، يخدمون الأجندة الحزبية الطائفية، ويمنعون الخطباء المستقلين أو المعتدلين من الخطابة، ويطردونهم من المساجد، أو يهددونهم بالاعتقال.
أصبحت الخطب موجهة بلهجة طائفية حادة، وتغلف بالدعاء للولاية والصرخة، ويعاد سرد مآسي كربلاء مع التشديد على عداء الخصوم، بدلا من دعوة التسامح والرحمة.
ثانيا: المساجد أدوات للتجنيد والتعبئة.
في كل صلاة جمعة، لا يسمع سوى خطابات تحريضية، تحض الناس على القتال، وتشحذ الهمم، وتصور الحرب ضد الجيش اليمني بأنها جهاد مقدس، وأن الموت في سبيل سيد الكهف هو أعلى المراتب.
لم تعد المساجد أماكن تعليمية وروحية، بل ساحات لتعبئة الأتباع، حيث تلقى الكلمات التي تشعل روح العنف وتغرس الكراهية.
ثالثًا: قمع حرية العبادة والفكر.
كل صوت يخالف السلالة الحوثية يكتم داخل المساجد.
من يسأل، أو يعترض، أو يحاول فهم الدين، يتهم بالعمالة، ويضرب عرض الحائط بحقه في التعبير.
في بعض المناطق، وليس كل المناطق، يمنع أهل السنة من إقامة الصلوات أو خطب الجمعة، أو حتى زيارة مساجدهم، في حال اعتراضهم، وهناك مساجد تم إغلاقها.
رابعا: تحريف الخطاب الديني
تم استبدال الخطاب القرآني السني الجامع، بخطاب ضيق، طائفي، يمجد الولي ويقلل من شأن الصحابة والتابعين، وينشر الأكاذيب حول التاريخ الإسلامي.
خامسا: تحولت بعض المساجد في عهد الحوثي إلى مجالس للقات والمسرات، حيث يجتمع المقاتلون وأفراد الجماعة في هذه المساجد ليستمتعوا بالقات ويقضوا أوقاتهم بعيدا عن الذكر والعبادة، بل ويجعلونها محطات انتقال أو مراكز للإقامة خلال الدورات الثقافية التي تعقدها الجماعة.
هذا الانحراف يصيب المسجد في جوهره، فالمسجد بيت الله الذي يجب أن يخصص للعبادة والطاعة، لا لمنسوبين إلى التسلية والترويح.
سادسا: لم تقتصر هذه الظاهرة على المساجد التي يستخدمها الرجال فقط، بل شملت أيضاً مساجد النساء، حيث تحولت إلى مقرات للحوثيين، بل وصلت الحال إلى تحويل حمامات بعض هذه المساجد إلى سجون، وهذا أمر يخالف كل مبادئ الشريعة التي تحفظ حرمة المسجد.
سابعا: في رمضان، حيث تصفو القلوب وتشتاق الأرواح لقيام الليل، يمتد الحوثي بظلامه ليطفئ نور التراويح. فجميع أئمة المساجد الموالين له لا يقيمونها أصلا، وأما غير الموالين فيمنعهم ويهددهم بالسجن إن هم أحيَوا هذه السنة. وقد أغلق مساجد بسبب ذلك، وطرد المصلين، واستبدل هذه السنة بشعاراته الباطلة. ليست حربه على الصلاة إلا حربا على الإسلام نفسه، وعداء سافرا لشرع الله.
لكن مهما أغلقوا الأبواب، ستظل القلوب قائمة بين يدي ربها، وسيظل الليل شاهدا أن من منع التراويح اليوم، لن يمنع شروق فجر النصر غدا.
والحاصل: أن المسجد لم يعد بيت الله في مناطق الحوثي، بل صار بيت الجماعة، ومنبر الطائفية، وصرح الحقد، ومصدر الحرب النفسية.
فكيف يسلم الناس لعقيدة تدعو إلى القتل باسم الله، وتتاجر بدم الأبرياء في منابر الصلاة؟
ونلتقي غدا إن شاء الله مع حلقة جديدة بعنوان: الحوثي وتفجير المساجد.
والله من وراء القصد.