لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن(40)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الأربعون: الحوثي وأملاك الوقف: نهب ممنهج لممتلكات الأوقاف في اليمن
الأوقاف: هي ما يخصصه الموقِف من مال أو منفعة للعبادة أو للمنفعة العامة، ويجعل هذا المال وقفا لا يبذل على نفسه ولا ينتزع عن الغرض المخصص له، بل يظل ملكا لله تعالى، ويصرف على ما اوقفه الموقف له وفق شروط الشرع.
وفي اليمن كثير من الأراضي والعقارات والآبار ونحوها موقوفة حسب نية الموقف، وكثير منها تحت إدارة وزارة الأوقاف، منها ما هو من زمن الدولة المتوكلية وما قبلها، ومنها ما هو في زمن الجمهورية حتى وصول هذه السلالة الحوثية إلى سدة السلطة فاستحوذوا على كثير منها بما يخدم مشروعهم الطائفي.
هناك تقرير صحافي نشره موقع الإصلاح نت بعنوان نهب الحوثيين عقارات الأوقاف وتمليكها أتباعهم (تاريخ النشر: 10 أكتوبر 2020م)، ورد فيه: أن الجماعة استولت على أراضٍ وقفية قديمة في مناطق سيطرتها، ووزعتها على أتباعها أو حولتها إلى مشاريع استثمارية خاضعة لرقابتها، مما يدل على أن الوقف لم يعد وقفا لله بل وقفا لهذه السلالة.
هذا التصرف يدل على أن الجماعة لا تكتفي بالتحكم في الإيراد الوقفي فقط، بل تستولي على الرأس الوقفي نفسه.
وطوال فترة انقلابها، ظلت الجماعة تستغل سيطرتها على مؤسسات الدولة عبر استخدام مواقعها الوظيفية إلى جانب استخدام قوة السلاح لنهب جزء كبير من الأراضي سواء ذات الملكية الخاصة أو تلك التابعة للدولة والأوقاف.
وقد جاء في تقرير منظمة سام للحقوق والحريات بعنوان: أملاك الأوقاف.. مبررات الحوثي لنهب أراضي المواطنين.
حيث قال التقرير: أصدرت المنظمة تقريرا في 31 مايو 2022م، أكدت فيه أن جماعة الحوثي استولت على أراض وأملاك أوقاف في مناطق مثل سعوان، السنينة، ومذبح في العاصمة صنعاء، واستخدمت الجماعة مبررات متعددة، منها تحويل الأراضي إلى أملاك عامة أو تسليمها لأنصارها، مما يهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة السكانية لصالح مشروعها الطائفي.
ونشرت صحيفة الشرق الأوسط تقريرا بعنوان: نهب واستيلاء منظم على أراضي وعقارات الأوقاف اليمنية، وقال التقرير: أكدت مصادر محلية أن ميليشيات الحوثي أصدرت إنذارات لسكان المنازل والمحال التجارية التابعة للأوقاف في صنعاء وإب، تطالبهم بإخلائها خلال عشرة أيام.
كما تم طرد العديد من السكان والبائعين من ممتلكاتهم، مما يشير إلى عمليات نهب ممنهجة لأراضي الأوقاف.
وفي موقع المجهر تقرير بعنوان: أباطرة الأراضي.. كيف يستخدم الحوثيون أوقاف الدولة وقودا لآلة الحرب؟
حيث كشف الموقع في تحقيق نشره في 11 يناير 2025م، عن شبكة حوثية مكونة من قيادات مثل عبدالمجيد الحوثي وأبي حيدر جحاف، تقوم بالاستيلاء على أراضي الأوقاف في صنعاء ومحافظات أخرى، تستخدم هذه الأراضي في مشاريع استثمارية لصالح الجماعة، مما يضر بمصالح المواطنين.
ونشرت صحيفة الشرق الأوسط (تقريرا آخر) بعنوان: الميليشيات تحرق وثائق الأراضي في اليمن لتسهيل مصادرتها.
جاء في التقرير: أن جماعة الحوثي قامت بحرق الأرشيف الوطني التابع لوزارة الأوقاف في صنعاء، بهدف طمس جرائم نهب الأراضي والعقارات وتسهيل عملية النهب والسطو عليها.
وتم نقل ملكية الأراضي إلى قيادات وموالين للجماعة بعد هذه العمليات.
وفي تقرير آخر جاء فيه: أن مكتب الأوقاف في محافظة إب تحول إلى بؤرة فساد، حيث يتم التلاعب بأراضي الأوقاف وتحويلها إلى أملاك خاصة، وقد تم إخفاء وثائق الوقف والتلاعب بالإيجارات، مما يشير إلى فساد مستشري في إدارة أراضي الأوقاف.
هذه التقارير وغيرها كثير تظهر بوضوح أن جماعة الحوثي تقوم بعمليات عديدة لنهب أراضي الأوقاف في مختلف المناطق اليمنية، مما يعد انتهاكا للحقوق الشرعية.
إن ما يقوم به الحوثيون من نهب واستيلاء على أراضي الأوقاف في اليمن ليس مجرد تجاوز قانوني أو فساد إداري، بل هو انتهاك لمقاصد الشرع التي شرع الله الوقف من أجلها، وهي نشر الخير، وصرف المال على العبادة، والتعليم، ورعاية الفقراء والمحتاجين ونحوهم.
فالوقف في أصله مشروع خيري مستمر، يظل نفعه متواصلا للأمة بعد وفاة الواقفين، وقد جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
لكن الجماعة حولت هذه المشاريع الوقفية، التي كان المفترض أن تكون خدمة لله والناس، إلى أداة للسيطرة السياسية والتوسع الطائفي، مستخدمة القوة والإكراه والتلاعب بالقوانين.
وقد وثقت كما تقدم منظمة سام للحقوق والحريات ووسائل الإعلام الموثوقة، مثل الشرق الأوسط والمجهر، عشرات الحالات التي استولت فيها الجماعة على أراضي الأوقاف في مناطق ومحافظات منها إب وصنعاء.
وقد تضمنت الممارسات: إخراج المستأجرين، وحرق وثائق الوقف، وتحويل الأراضي لمشاريع خاصة، والاستيلاء على الإيرادات الوقفية، وكلها أفعال تهدف إلى طمس الحقائق الشرعية والقانونية وإعادة تشكيل الأراضي بما يخدم أهدافها السياسية والطائفية.
إن هذا الانتهاك لا يقتصر أثره على الأموال المادية فحسب، بل يمس الروح المعنوية للمجتمع اليمني، إذ يفسد رسالة الوقف ويخرب ثقة الناس في المؤسسات الدينية والاجتماعية.
فالوقف حق لله وتحويله إلى وسيلة استغلال سياسي هو تشويه لمفهوم الوقف وخرق لكل القيم الإسلامية التي أقيم من أجلها.
ويلزم شرعا استرداد هذه الأملاك وإعادة إدارتها وفق شروط الشرع، وهذه ضرورة ملحة لإعادة الحقوق إلى نصابها، ولحماية المصلحة العامة والمقاصد الدينية التي شرع الوقف من أجلها.