الأربعاء 7 جمادى الأولى 1447 هـ || الموافق 29 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن    ||    عدد المشاهدات: 22

لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن(57)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

الحلقة السابعة والخمسون: الحوثي وبيع السلاح: شبكة تهريب منظمة وتجارة علنية


إليكم أبرز المحاور في هذا الموضوع بأوجز العبارات:

أولا: سوق السلاح السوداء في مناطق سيطرة الحوثيين.

تعد محافظة صعدة، المعقل الرئيس لجماعة الحوثيين، وأحد أبرز مراكز تجارة السلاح في اليمن.

ووفقا لتقرير صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، فإن الحوثيين يديرون شبكات واسعة لبيع وشراء الأسلحة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، حيث تنتشر مئات الورش والبائعين في صنعاء وصعدة والحديدة وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وأوضح التقرير أن الجماعة تنظم هذه الأسواق وتتحكم فيها بشكل مباشر، في انتهاك واضح لحظر الأسلحة المفروض على اليمن من مجلس الأمن.

وتشير تحقيقات صحفية إلى أن تجارة السلاح في صنعاء وصعدة وكثير من المناطق أصبحت علنية، حيث تعرض المسدسات والبنادق والقناصات والذخائر في الأسواق العامة، بل وتقام معارض لبيع السلاح في وضح النهار دون خوف من المساءلة.

فقد رصد الموقع الاستقصائي ARIJ وجود بنادق أمريكية من طراز “M4” ومسدسات “غلوك” تباع علنا في هذه الأسواق، في ظل غياب تام لأي رقابة أو سلطة قانونية.

إن هذه الأسواق، التي تعد بمثابة مصانع مفتوحة للموت، تعكس مدى الفوضى الأمنية التي تعيشها مناطق الحوثيين، وتكشف كيف تحولت تجارة السلاح إلى مورد مالي ثابت للجماعة المسلحة، يستخدم لتمويل الحرب واستمرارها.

ثانيا: تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين.

يعد تهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين المصدر الأهم لتسليح الجماعة، وهو ما أكدته عدة تقارير دولية.

ففي فبراير 2024م، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) أن قواتها البحرية اعترضت سفينة قرب السواحل الصومالية محملة بمكونات أسلحة إيرانية متطورة كانت متجهة إلى الحوثيين.

وشملت الشحنة هياكل صواريخ كروز، ومحركات طائرات مسيرة، ورادارات بحرية، وأنظمة تشويش واتصال متطورة.

وفي يوليو 2025م، أعلنت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا أنها ضبطت شحنة ضخمة من الأسلحة الإيرانية بلغ وزنها 750 طنا كانت في طريقها إلى الحوثيين عبر البحر الأحمر.

وتشير تقارير أمنية إلى أن عمليات التهريب الإيرانية تسلك طرقا متعددة، منها طريق بحر العرب وخليج عدن، وأحيانا عبر الأراضي العمانية أو اللبنانية، بمساعدة حزب الله الذي يتولى تدريب المهربين قبل إرسالهم إلى إيران.

كل ذلك يدل على أن الحوثيين لا يعتمدون على السوق اليمنية وحدها، بل يتلقون دعما عسكريا منظما من الخارج، بما يضمن استمرارهم كقوة مسلحة تهدد الأمن الإقليمي والدولي.

ثالثا: تجارة الأسلحة عبر التطبيقات الرقمية.

في تحول غير مسبوق، استغل تجار السلاح المرتبطون بالحوثيين المنصات الرقمية في الترويج لأسلحتهم وبيعها عبر الإنترنت.

فقد كشف مشروع الشفافية التقنية (Tech Transparency Project) عن وجود أكثر من 130 حسابا على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) و67 مجموعة على "واتساب" تستخدم لتسويق الأسلحة، بعضها مملوك لتجار يمنيين مرتبطين بالحوثيين.

وعرضت بعض الحسابات صورا لبنادق وصواريخ ومسدسات تحمل عبارات مثل ملكية الحكومة الأمريكية أو شعارات حلف الناتو، مما يشير إلى أن هذه الأسلحة قد تم الاستيلاء عليها أو تهريبها من مناطق نزاع أخرى.

هذه الظاهرة تمثل نقلة نوعية في سوق السلاح، إذ أصبح من الممكن لأي تاجر في اليمن أن يبيع أو يشتري أسلحة متقدمة عبر الإنترنت بسرية شبه تامة، مما يجعل مراقبة هذا النشاط أكثر تعقيدا وصعوبة.

رابعا: دور تجار السلاح المحليين والدوليين.

تؤكد التقارير أن شبكة تهريب السلاح الحوثية لا تعمل بمعزل عن الوسطاء المحليين والدوليين.

فعلى المستوى المحلي، يعتمد الحوثيون على تجار سلاح من صعدة وصنعاء يتولون عمليات شراء الأسلحة وتهريبها داخل البلاد.

أما على المستوى الدولي، فتشير تقارير إلى تورط وسطاء وشركات شحن صينية وروسية في نقل مكونات عسكرية للحوثيين بطرق ملتوية.

وفي مارس 2025م، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سبعة قياديين حوثيين وشركة دولية بتهمة شراء ونقل أسلحة لحساب الجماعة، وشملت العقوبات تجميد الأصول وحظر التعامل المالي معهم.

إن هذا التشابك بين شبكات محلية ودولية يمنح الحوثيين قدرة على استدامة مصادر تسليحهم رغم العقوبات، كما يجعل تفكيك هذه الشبكات مهمة معقدة تحتاج إلى تعاون استخباراتي دولي واسع.

خامسا: العقوبات الدولية والضغوط المتزايدة.

تزايدت العقوبات الأمريكية والأوروبية على الحوثيين خلال عامي 2024م و2025م، في محاولة لتجفيف مصادر تمويلهم.

ففي سبتمبر 2025م، فرضت واشنطن عقوبات على 32 فردا وكيانا و4 سفن مرتبطة بعمليات تهريب سلاح وتمويل حوثي.

كما قدمت بريطانيا في فبراير 2023م أدلة للأمم المتحدة تثبت تورط إيران في تزويد الحوثيين بأسلحة متطورة، بعد اعتراض طائرة مسيرة وشحنة صواريخ بحرية.

وفي الاتحاد الأوروبي، دعت هولندا إلى تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، بعد الهجوم الذي شنته على سفينة الشحن الهولندية "مينيرفاجراخت" في خليج عدن، في خطوة تظهر تصاعد القلق الأوروبي من تهديد الحوثيين للملاحة العالمية.

سادسا: تداعيات تجارة السلاح على الأمن الإقليمي.

تعد تجارة الأسلحة غير المشروعة مع الحوثيين من أخطر التهديدات للأمن الإقليمي والدولي.

فمن جهة، تبقي هذه التجارة الحرب في اليمن مشتعلة وتعرقل جهود السلام.

ومن جهة أخرى، تستخدم الأسلحة المهربة في تنفيذ هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر وبحر العرب، مما يهدد الملاحة الدولية.

وقد ذكرت وكالة رويترز في يناير 2025م أن الحوثيين نفذوا أكثر من 100 هجوم على سفن منذ نوفمبر 2023م، مما أجبر شركات شحن عالمية على تغيير مساراتها عبر رأس الرجاء الصالح، وهو ما زاد تكاليف الشحن العالمية بشكل كبير.

كما حذر مركز الدراسات الإفريقية من أن استمرار تدفق السلاح إلى الحوثيين قد يؤدي إلى انتقال الصراع إلى القرن الإفريقي، أو استخدام شبكات التهريب في تمويل جماعات مسلحة أخرى.

وقد تضافرت الجهود الدولية لمكافحة تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، لكن الطريق لا يزال طويلا.

ففي مايو 2025م، أعلنت الحكومة اليمنية عن اختراق كبير بعد إحباطها عدة عمليات تهريب للأسلحة الإيرانية في خليج عدن والبحر الأحمر.

ورغم هذه الجهود، تواجه مكافحة التهريب تحديات جسيمة، أبرزها الطبيعة الجغرافية الجبلية الوعرة في شمال اليمن، وضعف الإمكانيات التقنية، بالإضافة إلى قدرة الحوثيين على تغيير أساليب التهريب واستخدام غطاء تجاري أو إنساني لتمرير الأسلحة.

ولهذا، فإن القضاء على تجارة السلاح الحوثية يتطلب خطة شاملة تشمل: تعزيز الرقابة على الموانئ والمنافذ البحرية، وتتبع الشبكات المالية التي تمول عمليات الشراء، وفرض عقوبات ذكية على الوسطاء والموردين، ودعم مسار السلام في اليمن كحل جذري للنزاع.

والحاصل: تعد تجارة الأسلحة غير المشروعة مع الحوثيين جرحا نازفا في خاصرة اليمن والمنطقة. 

فهي لا تموّل الحرب فحسب، بل تغذي الإرهاب وتهدد الملاحة الدولية وتقوض الأمن العالمي.

إن وقف هذه التجارة ليس مجرد مسؤولية يمنية، بل مهمة داخلية ودولية تستوجب تنسيقا صارما بين الدول الكبرى والمنظمات الأممية لضمان نزع سلاح الجماعة وإعادة الاستقرار إلى اليمن.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام