الأربعاء 7 جمادى الأولى 1447 هـ || الموافق 29 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن    ||    عدد المشاهدات: 22

لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن(46)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني 

الحلقة السادسة والأربعون: الحوثي وتهمة مخالفيه بالدواعش


في ظلال النزاع اليمني، تتبدل الكلمات إلى سيوف تبطش بالعدالة، وتصبح الاتهامات أدوات قهر تضمر في ثناياها سلبا للحرية وكبرياء المواطن. 

إن أنصار إبليس، الحركة التي باتت تتحكم بمناطق واسعة من شمال اليمن، لا تكتفي بخوض الحرب المسلحة، بل تشرع في حرب أخرى، حرب تسميات وملاحقات، حيث توظف بدقة وسوء نية تهمة الانتماء إلى داعش – أو ما يسمى : الدواعش – كذريعة لقمع المعارضين، وإخماد الأصوات، ونشر الخوف في النفوس.

حين يختلق انتماء لتنظيم إرهابيّ، يصبح المعتقل سبيا في شباك لا يرى فيه الضوء. 

وقد نشرت تقارير لدى هيومن رايتس ووتش أن أجهزة السلطة الحوثية اعتقلت وغيبت قسريا الكثير من الناس بتهم معنونة بالخيانة أو التواصل مع الجماعات الإرهابيّة.  
هذا الفعل لا يقف عند حدود الاعتقال، بل يتوسع إلى ما هو أكثر خطورة: محاكمات جماعيّة غير عادلة، وحرمان من الحق في محاكمة نزيهة، أو حتى حق الوصول إلى محام. 

ويبدو أن الاتهام بالدواعش ليس سوى كرةٍ تلقى في ملعب الخصم، يحملها بلا هوادة إلى حديقته، ويعلن بها حكم الإعدام والاختفاء والتعذيب. 
التقرير الأممي لعام 2022م جاء مؤكدا أن السلطات التي تسيطر عليها حركة الحوثي قد استخدمت تهمة التجسس أو التواصل مع جماعات إرهابية – من ضمنها ادعاءات بانتماء إلى داعش أو القاعدة – كمنطلق لتبرير القمع.  
ولذا فالمعركة تنطوي على مرتبة رمزية: ليس فقط قتال ميدانيّ، بل قتال في عوالم التوصيفات والاتهامات.

من زوايا أخرى، يظهر التناول أن الحركة نفسها - بكل تناقضها - لا تكتفي بتوجيه الاتهامات فحسب، بل يزعم أنها تسخر بعضا من بقايا داعش أو القاعدة كقوة تديرها لتحقيق هدفها السياسي العسكري. 

هناك تقرير نشر في أيلول/سبتمبر 2025م أفاد بأن الحوثيين حولوا بعض معتقلي التنظيمين إلى مجندين لدى أجهزتهم الأمنية، مع رواتب أساسية وتجهيزات، ليستثمروا في جبهات القتال المختلفة.  

هذا المشهد، إذ ينكشف، يطرح تساؤلات عميقة عن مصداقية الاتهامات التي توجه؛ فكيف لمن يشتري سلاحا من متجر الإرهاب أن يعلق لافتة مكافحة الإرهاب على صدره؟

وليس المجتمع بمعزل عن هذا النزيف الرمزي - فالخوف يدخل في المنازل، ويسكن في عيون الأطفال، وينشر الهلع بين المنكسرين من أبناء هذا الوطن. 

إن ثقافة الاتهام الجماعي أو التعسفي تنسف الثقة بين المواطن وسلطته، وتعمق الشرخ السياسي والاجتماعي الذي يعد من أكبر العقبات في طريق المصالحة الوطنية. 

وقد اجمعت منظمات حقوق الإنسان أن الانتهاكات المرتبطة بهذا النوع من الاتهامات – الاعتقال التعسفي، الاختفاء القسري، محاكمات موروثة من الحرب لا من القضاء، والعزل الاجتماعي - تنطوي على خرق صريح لحقوق الإنسان: الحق في الحياة، الحق في الحرية والأمان الشخصي.

وعندما ينظر المجتمع الدولي - من خلال مؤسساته كالأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية - إلى هذا الواقع، فإنه يواجه واجبا أخلاقيا وقانونيا؛ فقد وضعت تقارير مجلس الأمن أن الجماعة الحوثية تحتضن عناصر إرهابية ضمن أجهزتها استخباراتيا.  

إن الضغط الدولي، وتفعيل آليات المساءلة، وهذه المنظومة القائمة من مراقبة حقوق الإنسان، كلها أدوات يمكن أن تأتي بتحولات، لكن فقط إذا تحولت النوايا إلى أفعال، والقوانين إلى تطبيقات.

إن تحويل الاتهام بداعش من جرم حقيقي إلى وسيلة سياسية يمثل تعال على الضحايا الأكثر ضعفا، واستهانة بآلامهم، واستخفافا بعقول الناس الذين يدركون أن الإرهاب الحقيقي ليس في من يتهم ظلما، بل في من يشيع الخوف باسم محاربة الإرهاب. 

إنه انقلاب في المفاهيم، حيث يغدو الجلاد هو القاضي، وتتحول العدالة إلى أداة انتقام، وتستبدل القوانين بشهوة السلطة، فيغدو الوطن ساحة اتهام مفتوحة، والمواطن متهما حتى يثبت ولاؤه، لا براءته.

وهكذا تستغل تهمة الإرهاب لتصفية الخصوم، وتبرير البطش، وإسكات الأصوات التي ترفض الانحناء، فيقتل باسم الأمن من طالب بالأمان، ويسجن باسم الوطن من أحب الوطن حقا.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام