الأربعاء 7 جمادى الأولى 1447 هـ || الموافق 29 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن    ||    عدد المشاهدات: 14

لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن(61)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

الحلقة الواحدة والستون: الحوثي ومصادر الشرع: بين التوظيف السياسي والتفسير الانتقائي


منذ ظهور جماعة الحوثي في مطلع الألفية الجديدة، ارتبط خطابها الديني بمشروعها السياسي ارتباطا وثيقا، حتى غدا الدين عندها أداة للهيمنة والسيطرة، لا وسيلة للهداية والإصلاح. 

فقد أعادت الجماعة صياغة مفاهيم الشريعة ومصادرها بما يخدم مصالحها ويكرس سلطانها، متخذة من القرآن والعترة شعارا، لكنها في التطبيق انتقت من النصوص ما يوافق هواها، وأعرضت عما سواه.

لقد قدم حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الجماعة، رؤية دينية مؤدلجة، جعل فيها العترة (آل البيت) مصدر التشريع الثاني بعد القرآن بدلا عن السنة، بل فسر القرآن  وفق هوى مشروعه الطائفي ومن خلالهم، متجاهلا السنة النبوية ومكانتها التشريعية التي أجمع عليها المسلمون عبر القرون. 

ومن هنا بدأ الانحراف؛ إذ تحول الدين من منهج تعبدي رباني إلى منظومة فكرية مغلقة تسخر النصوص لخدمة مشروع الولاية.

وهكذا نشأت لدى الحوثيين عقيدة دينية مسيسة، لا تكتفي بتأويل النصوص، بل تقصي المخالف وتخونه باسم الحق الإلهي في الحكم. 

ومع مرور الوقت، صار هذا الفكر ينتج واقعا اجتماعيا مشوها، تتداخل فيه العبادة بالطاعة السياسية، والمذهب بالولاء العسكري.

ومن هنا تأتي أهمية هذا الموضوع الذي يتناول مصادر الشرع عند الحوثيين وكيفية توظيفهم للنصوص الشرعية، ويفكك أبعاد التفسير الانتقائي والتسييس المذهبي للدين.

أولا: مصادر التشريع عند الحوثيين.

تقوم المرجعية التشريعية لدى جماعة الحوثي على ما يزعمونه القرآن وما جاء عن العترة، كما صرح مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي في عدد من ملازمه، مؤكدا أن فهم القرآن لا يؤخذ إلا عن آل البيت حسب زعمه، فكثيرا ما يردد انه: لا يجوز أن نأخذ معارف ديننا من غير العترة الطاهرة، فهم الامتداد الحقيقي لرسول الله، ومن عاداهم فقد عادى القرآن.
وقد أفردت كتابا على ملازمه بعنوان "ملازم حسين الحوثي على طاولة النقد".

لقد جعل الحوثيون العترة مصدرا تشريعيا موازيا للقرآن، بل واحتكروا ذلك في أسرتهم، مما أخرج جمهور الأمة من دائرة التلقي، وفتح الباب أمام التأويلات الباطنية التي تسخر النصوص لخدمة الأهداف السياسية والطائفية.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أعلن الحوثي موقفه الصريح من السنة النبوية، إذ كان ينكرها ويطعن في حجيتها إذا خالفت رؤيته أو لم توافق هواه، فقد ذكر في بعض ملازمه ان: كثيرا من الأحاديث التي يعتمدون عليها إنما هي من وضع بني أمية لتشويه العترة وطمس نور الهدى حسب زعمه.

وهذا الموقف يمثل انحرافا جوهريا عن منهج أهل الإسلام الذين جعلوا القرآن والسنة هما الأصلين المتلازمين للتشريع، كما قال الله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).

ثانيا: التوظيف السياسي للمصادر الشرعية.

منذ سيطرة جماعة الحوثي على السلطة عمدت إلى توظيف النصوص الشرعية لخدمة مشروعها السياسي والمذهبي. 
فتم تفسير بعض الآيات والأحاديث بشكل انتقائي لتبرير أفعالها، مثل استهداف المدنيين وتجنيد الأطفال وفرض الجبايات، بل واعتبار نفسها الممثل الشرعي الوحيد للمجتمع اليمني.

وقد استخدم الحوثيون خطاب الولاية لتبرير سلطتهم السياسية، وجعلوا الطاعة لهم طاعة لله، في تناقض صارخ مع مقاصد الشريعة التي ترفض تقديس الأشخاص واحتكار الحق باسم الدين.

ثالثا: تهميش العلماء والمؤسسات الدينية المستقلة.

في سبيل تكريس هيمنتها، همشت الجماعة دور العلماء وخصوصا مراكز أهل الحديث باليمن، والمؤسسات الدينية المستقلة الأخرى. 

وقد أغلقت الجماعة عددا من دور الإفتاء والتعليم الديني السني، واعتقلت علماء ومشايخ بتهمة العداء لآل البيت، مما أدى إلى غياب الرقابة الشرعية وتحويل الخطاب الديني إلى أداة تعبئة فكرية وسياسية.

رابعا: استغلال المناسبات الدينية.

تستغل جماعة الحوثي المناسبات الدينية —وخاصة المولد النبوي وعاشوراء— لتكريس نفوذها ونشر أفكارها. 
فقد أصبحت تلك المناسبات منابر لتأليه القيادات وتأكيد شرعية الولاية.

وقد وثقت تقارير محلية أن الخطب التي تلقى في هذه المناسبات لا تخلو من تحريض سياسي وطعن في الصحابة وتمجيد للأسرة الحوثية باعتبارها الوريث الشرعي للنبي - وهي دعوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان.

خامسا: التفسير الانتقائي للفقه الزيدي.

على الرغم من انتساب الحوثيين إلى المذهب الزيدي، فإنهم حرفوا كثيرا من مفاهيمه الأصيلة، خاصة ما يتعلق بمبدأ الاجتهاد والانفتاح على المذاهب الأخرى الذي كان يميز الزيدية تاريخيا.

فقد أعادوا صياغة مفهوم الولاية ليجعلوه حكرا في البطنين، مخالفين بذلك ما قرره علماء الزيدية، وعلى رأسهم زيد بن علي الذين لم يحصروا الإمامة في النسب، بل في العلم والعدل والشجاعة.
وبذلك، حول الحوثيون الفقه الزيدي من مدرسة علمية مفتوحة إلى أداة تبرير سياسي مغلق.

سادسا: ردود الفعل المحلية والدولية.

أدان علماء اليمن ورابطة العالم الإسلامي وهيئة كبار العلماء بالسعودية هذا الانحراف في استخدام الدين، واعتبروه تحريفا للشرع وتسييسا للوحي. 

كما أكدت تقارير منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش (2019) أن الجماعة تستخدم الخطاب الديني كوسيلة للهيمنة الفكرية والسيطرة على المجتمع.

سابعا: أثر الانحراف على المجتمع اليمني.

أدى هذا الخلط بين الدين والسياسة إلى انقسام عميق داخل المجتمع اليمني، فأصبحت هناك مناطق تعيش تحت خطاب مذهبي طائفي، يقدس القادة باسم آل البيت، بينما يعاني الآخرون من الإقصاء والتكفير.

كما أفرز هذا الفكر المتعصب أجيالا جديدة تربى على الولاء للجماعة لا للوطن ولا للدين الحق، مما يهدد النسيج الديني والاجتماعي لليمن.

إن مواجهة الفكر الحوثي تتطلب إحياء المرجعية العلمية الأصيلة القائمة على القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، وتعزيز دور المؤسسات الدينية المستقلة، ونشر التعليم الشرعي الوسطي الذي يحصن الأجيال من الفكر الطائفي، ويعيد للدين مكانته بعيدا عن التوظيف السياسي.

لقد جعل الحوثيون من الدين وسيلة للسلطة، ومن النصوص الشرعية أدوات لتبرير القهر والهيمنة.

فمصادرهم التشريعية ليست الإسلام كما أنزله الله، بل إسلام مؤدلج مخلوط بالشركيات يفسر وفق رؤية العترة المزعومة ووفق هوى ميليشيا القيادة السياسية.

وإن إنقاذ اليمن من هذا الانحراف لا يكون إلا بإحياء روح الإسلام الأولى:

(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام