لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن(24)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الرابعة والعشرون: الحوثي والبنك المركزي
البنك المركزي يمثل عادة قلب النظام المالي لأي دولة، ورافعة أساسية لاستقرار الاقتصاد وحماية العملة الوطنية، وضمان حقوق المواطنين في معاملاتهم المالية.
غير أن هذا الدور تغيّر جذريا في مناطق سيطرة جماعة الحوثي؛ إذ تحوّل البنك المركزي في صنعاء إلى أداة للابتزاز المالي والسيطرة الاقتصادية، بعيدا عن وظيفته الطبيعية كمؤسسة مستقلة تدير المال العام وتحافظ على استقرار الاقتصاد الوطني.
فمنذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء عام 2014م، خضع البنك المركزي لإملاءات الجماعة بشكل مباشر، وأصبح يستخدم لتمويل الأنشطة العسكرية والسياسية.
وقد ذكرت وكالة رويترز في تقريرها بتاريخ 17 سبتمبر 2016 أن الجماعة نهبت نحو 1.8 مليار دولار من احتياطي العملة الأجنبية في البنك خلال عامين فقط، وهو ما أدى إلى انهيار كبير في قيمة الريال اليمني.
وذكر تقرير البنك الدولي (2021) أن نقل البنك المركزي إلى عدن في عام 2016 كان خطوة اضطرارية لإنقاذ ما تبقى من النظام المالي للدولة بعد أن سيطر الحوثيون على جميع أرصدته في صنعاء ورفضوا تسليم البيانات المالية أو احتياطي النقد الأجنبي.
وقد أكدت تقارير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة (2021 و2023) أن الحوثيين استخدموا البنك المركزي بصنعاء كغطاء لتبييض الأموال والاستحواذ على مئات المليارات الريالات من الإيرادات العامة، أبرزها إيرادات شركات الاتصالات والضرائب والجمارك.
وذكرت صحيفة الشرق الأوسط (عدد 16091، أكتوبر 2023) أن البنك المركزي في صنعاء أصبح مركزا لجباية الأموال وتمويل الجبهات عبر ما يسمى هيئة الزكاة ومؤسسة الشهداء، اللتين تداران مباشرة من مكتب زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي.
وتؤكد تقارير البنك الدولي (World Bank, Yemen Economic Monitor, 2023) أن الجماعة استغلت موارد البنك لتغطية نفقات الحرب بدلا من تمويل الرواتب والخدمات، وهو ما أدى إلى شلل اقتصادي واسع وانقسام مالي بين صنعاء وعدن.
وفي دراسة صادرة عن معهد كارنيغي للسلام الدولي (Coin Rollout Sparks a New War in Yemen, 2024)، وصف تدخل الحوثيين في السياسة النقدية بأنه شكل جديد من تسليح الاقتصاد، عبر إصدار عملات نقدية معدنية ومحلية موازية بهدف إحكام السيطرة على الدورة المالية داخل مناطقهم، في تحد صريح للبنك المركزي الشرعي في عدن.
كما تشير تقارير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية (Sana’a Center, 2024) إلى أن الحوثيين فرضوا سيطرة مباشرة على سياسات النقد والعملة، من خلال توجيهاتهم للبنوك التجارية بعدم التعامل بالعملة الجديدة الصادرة من عدن، مما أدى إلى انقسام نقدي حاد وتراجع الثقة في النظام المصرفي اليمني.
هذا التحكم المطلق في السياسة النقدية أفضى إلى انهيار متسارع في القيمة الشرائية للريال اليمني وارتفاع غير مسبوق في الأسعار، ما جعل المواطن البسيط يتحمل عبء قرارات سياسية لجماعة مسلحة لا تراعي استقرار السوق ولا أمن المجتمع.
وقد أكدت وكالة أسوشييتد برس (AP News, 2024) أن الحوثيين يستخدمون البنك المركزي في صنعاء لرفض العملة الرسمية الصادرة من عدن، ولإخضاع المصارف المحلية لقوانينهم الخاصة، في محاولة لتفكيك النظام المالي الوطني.
ولا يقف الأمر عند حدود التمويل غير المشروع، بل تعدى إلى تحويل البنك المركزي إلى أداة رقابة وتحكم في الاقتصاد المحلي، حيث تفرض الجماعة على المصارف والمؤسسات التجارية تعليمات مالية ملزمة، وتستخدم العقوبات والتهديد كوسيلة للسيطرة.
إن سيطرة الحوثي على البنك المركزي لم تكن مجرد استحواذ على مؤسسة مالية، بل كانت انقلابا على حياة الناس، ووأدا لأحلام ملايين الموظفين، وقطعا لشريان الاقتصاد الوطني.
لقد حولوا المال العام إلى أداة لإذلال الشعب، وصار الجوع وسيلة من وسائل الإخضاع، حتى أصبح شعارهم الواقعي: جوع لتطع.