الثلاثاء 21 رجب 1446 هـ || الموافق 21 يناير 2025 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 7417

حكم القيام للقادم والداخل

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني


س37: تعوَّد الناس عندنا القيام لكل من دخل إلى المجلس لمصافحته، وبعض الاخوة يقول لا يجوز القيام، فما حكم الشرع في ذلك، وفقكم الله؟


ج37: أفردت لهذه المسألة كتاباً تم طبعه عدة طبعات وأسميته " حكم القيام للقادم والداخل"، وكان تأليفه بعد رد الشيخ عبد الله السعد على فتوى شيخنا محمد ناصر الدين الألباني الذي رأى منع ذلك، وحاصل الجواب: أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة على عدة أقوال، وقد استند كل فريق منهم إلى دليل من السنة، وأقوالهم في الجملة تترد بين الجواز والكراهة التي قد ترد بمعنى التحريم في مواضع، والخلاصة بعد النظر في جملة أدلة الفريقين وأدلتهم ما يأتي:

أولاً: كراهية من أحبَّ أن يُقَام له حال قدومه لحديث أنس مرفوعاً "من أحب أن يتمثل له الناس قياماً؛ فليتبوأ مقعده من النار". وهو حديث صحيح، أخرجه الترمذي في جامعه، وأحمد في مسنده وغيرهما.

والإثم في حق من يغضب على من ترك القيام له، أو يسره أن يقام له.

ثانياً : كراهية القيام على رأس الفاضل وهو قاعد سواء كان أميراً أو عظيماً في قومه أو غير ذلك وعلى هذا يتنزل حديث : "إن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا". وهو حديث حسن، أخرجه مسلم في صحيحه، والنسائي في سننه، وابن ماجه في سننه، وأحمد في مسنده كلهم من رواية ليث عن أبي الزبير عن جابر..

ثالثاً: كراهية القيام للداخل بنية التعظيم والإطراء وعلى هذا يتنزل حديث:"ما كان في الدنيا شخصٌ أحبَّ إليهم رؤيةً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لِمَا كانوا يعلمون من كراهيته لذلك" وهو حديث صحيح، أخرجه الترمذي في جامعه، وأحمد في مسنده وغيرهما من حديث أنس.

رابعاً: جواز القيام على رأس الفاضل وهو قاعد سواء كان أميراً أو عظيماً في قومه بقصد حراسته والذب عنه متى خيف عليه وعلى هذا يتنزل حديث: "أن المغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعه السيف وعليه المغفر". أخرجه البخاري في صحيحه وغيره.

وما تقدم من الأمور الأربعة لا نزاع فيها بين أهل العلم.

خامساً: جواز القيام لاستقبال القادم من سفر لحديث جعفر لما قدم من هجرة الحبشة "تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم فعانقه وقبل ما بين عينيه، وقال: "ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أو بقدوم جعفر"، وهو حديث حسن لغيره لشواهده.

أخرجه أبو داود في سننه، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، والطحاوي في شرح معاني الآثار، والبيهقي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير.

سادساً: جواز القيام للتهنئة أو المصافحة لحديث كعب بن مالك في قصة توبته، وفيه: "فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول فصافحني وهنأني" كما في الصحيحين، وأدخل العلماء القيام للتعزية إلحاقاً به.

سابعاً: جواز القيام للقادم أو الداخل بقصد الإكرام أو التوقير لما له من الشرف والرفعة من علم أو صلاح أو ولاية وعلى هذا يتنزل حديث "قوموا إلى سيدكم" أخرجه البخاري ومسلم.

وقال النووي في الأذكار: وأما إكرام الداخل بالقيام فالذي نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام لا للرياء والإعظام وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف ([1]).أهـ

وقال الغزالي: "القيام على سبيل الإعظام مكروه وعلى سبيل البر والإكرام لا يكره".

قال الحافظ في الفتح: هذا تفصيل حسن ([2]).

ثامناً: جواز قيام المضيف لضيفه أو قريبه لإكرامه وإجلاسه وعلى هذا يتنزل حديث: عائشة أم المؤمنين قالت: "ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها"، وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في جامعه، وأبو داود في سننه وغيرهم.

تاسعاً: جواز القيام لخدمة الضيف وهو قاعد، وهذا وارد في بلادنا العربية لصب القهوة أو الماء والانتظار حتى يتم الضيف حاجته من المشروب أو المطعوم، وهذه عادة مستحسنة، ولذا قال الشيخ عبد الغني المجددي الدهلوي: "والظاهر أنهم إذا كانوا قائمين للخدمة لا للتعظيم فلا بأس به كما يدل عليه حديث سعد ([3])، وبالله التوفيق.

 

([1])  كتاب الأذكار للنووي (ص 211).

([2])  فتح الباري لابن حجر (11/ 54).

([3])  شرح سنن ابن ماجه للمجددي الدهلوي (ص272).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام