الثلاثاء 5 ربيع الآخر 1446 هـ || الموافق 8 أكتوبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    دراسات شرعية واقعية في الديمقراطية وأصول الاحزاب    ||    عدد المشاهدات: 5126

ديمقراطية المساواة في أمريكا

( ضمن موضوع دراسات شرعية واقعية في الديمقراطية وأصول الأحزاب السياسية)

الحلقة (12)

بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

 

بعد أن أثبتنا في عددٍ من المقالات: أن الديمقراطية الأمريكية المصدَّرة للمسلمين وغير المسلمين نظام مزيف، وأنها مجرد ألعوبة بيد أمريكا والغرب، فقد حان لنا الآن أن نتكلم عن حقيقة المساواة الديمقراطية وزيفها بداخل أمريكا.

فأقول: كثير ما يردد بعض الإعلاميين والسياسيين المخدوعين تجربة الديمقراطية في أمريكا، وأنها ناجحة باعتبار أن أمريكا طبقَّت أقدم نظام ديمقراطي معاصر لها يضمن إطاراً سياسياً يؤدي إلى الأمن والاستقرار ونمو المساواة بين المواطنين، وهكذا يزعم ويغرد أولئك المغردون العرب، ويهرفون بما لا يعرفون، لكونهم خدعوا بالديمقراطية وأمريكا، ولا يعرفون واقع الديمقراطية في أمريكا، وربما بعضهم يعملون في بلداننا لصالح أمريكا.

ومهما يكن من شيء: فلا يمكن لعاقل منصف أن يقول لا يوجد في أمريكا شئ من العدل والمساواة، بل هناك عدل ومساواة حتى في دولة اليهود وفيهما دخن عريض.

حيث تجد في أمريكا ودول الغرب – في الجملة – سهولة وسلاسة المعاملات في كافة الوزارات لأجل استخراج الجوازات وبطائق الأحوال وشهادات الولادة والوفاة والتصاريح التجارية والأهلية ونحوها خلال قترة وجيزة، ربما لا تتعدى ساعات في بعض المعاملات، بينما في البلاد العربية يتم استخراج بعض التصاريح ونحوها إذا حصلت عليها خلال أيام أو شهر أو عدة أشهر بسبب كثرة الروتين في بلداننا العربية والإسلامية، وكذلك توفر أمريكا وأغلب الدول الغربية لمواطنيها والمقيمين على أرضها العناية الصحية وتوفير العلاج والأدوية بموجب تأمين صحي، ومن لا يملك قيمة التأمين فتدفع عنه الدولة حتى هذه اللحظة، فقبل دقائق تأكدت وأنا أكتب هذا المقال من خلال اتصالي بصديق أمريكي مسلم يعيش بأمريكا، وذلك لأن الصحف نشرت عن أمريكا دعوى مزيفة تنص على أن: ” التأمين الصحي بأمريكا بأسعار غالية جداً، تصل تكاليفه أحياناً إلى خمسة آلاف دولار سنويًا للفرد الواحد وأنه لا يوجد بأمريكا علاج مجاني لمواطنيها ومن يقيم فيها” وهذا كذب، والإسلام أمرنا بالصدق حتى مع غير المسلمين، كما توفر أمريكا لمواطنيها ومن يقيم فيها الدراسة المجانية من الابتدائية إلى الثانوية، وأما الدراسة الجامعية فهي مجانية للفقراء ومن دخله قليل، وأما من كان دخله يتحمل دفع الرسوم الجامعية فليست مجانية بل يلزمه الدفع، كما توفر المحافظة على بيئة المدن وشوارعها وأنظمتها المرورية ومرافق تنزه العائلات والأطفال، وممارسة حرية الأديان في الجملة كنظام سائد رغم العنصرية المتكررة، ومن حق الشعب والمقيمين أن يعيشوا بأمان في منازلهم، فلا يحل لأي جهة رسمية بالدخول إلا بإذن المالك، ولا يستجوب أي فرد حول أي جريمة إلا بتقديم أو توجيه اتهام من هيئة المحلفين العليا، ولا يجوز حرمانه من حياته أو ممتلكاته بدون محاكمة قانونية، ومن حق المتهم إبلاغه بطبيعة وسبب الاتهام، ويجب مواجهته بشهود ضده، وتلتزم المحكمة أيضاً بإحضار شهود يشهدون لصالحه، وتلتزم أيضاً بتزويده بمحامي لمساعدته للدفاع عن نفسه، وإذا انتهت فترة الرئاسة بانتخاب رئيس جديد، فإنه يلزم الرئيس السابق تسليم السلطة للرئيس المنتخب وفقاً لدستور الدولة، هذه في الجملة أشهر الإيجابيات الديمقراطية في أمريكا.

ولبيان زيف المساواة الديمقراطية المزعومة في أمريكا – بالوصف الذي يزعمون والمبالغ فيه -، ألخصه فيما يلي:

أولاً: ذكرت في مقال لي بعنوان “تاريخ أمريكا والنظام الديمقراطي فيها” أن أمريكا تسمى ” بلاد ما وراء المحيط الأطلسي” قبل استقلالها، وأنها أرض للهنود الحمر، وقد دخل أغلبهم في الإسلام بسبب هجرة العرب والمغاربة والأفارقة المسلمين إليها ودعوتهم الناس هنالك للإسلام، وكان هذا قبل إعلان استقلال أمريكا عام 1776م بمئات السنين، ولما استقلت أمريكا وكذا قبل الاستقلال قتلت من الهنود الحمر أكثر من مائة مليون نسمة من الرجال والنساء والأطفال في أمريكا الشمالية وأكثر من خمسين مليون نسمة في أمريكا الجنوبية وغيرها كما صرح بعض المؤرخين الغربيين، وكانت تلكم المجازر من خلال مذابح “إبادة جماعية” وتشريد بعضهم إلى خارج أمريكا، ولم يبق منهم بأمريكا سوى القليل.

واستمرت الإبادة وقتل الهنود الحمر إلى سنوات قريبة، إلا أنهم في السنوات الأخيرة ورطوا من بقي منهم ومن شبابهم ونسائهم بإغراقهم في المخدرات والخمور والدعارة وتمكينهم من تراخيص مجانية دون غيرهم من الشعب الأمريكي ليفتحوا بها البارات ومحلات تجارة الخمور والدعارة حتى ساعة كتابة هذا المقال ليقتلوهم قتلاً بطيئاً بهذه النجاسات غير الأخلاقية والتي تتصادم مع الفطرة والعقل والأديان السماوية، كما تسعى الدولة لتشويه سمعتهم أمام الشعب الأمريكي والشعوب الأخرى حتى قال أحد الهنود الحمر: “إننا نعلم أن الحكومة الأمريكية تشوه سمعتنا وتقتلنا ببطء من خلال المخدرات والدعارة وتتآمر علينا بإفسادنا حتى ننسى أننا سكان أمريكا الأصليين”.

وقال لي شخص أمريكي منذ أيام: “منذ طفولتي حتى تخرجت من الثانوية، ونحن ندرس في المنهج التعليمي الأمريكي أن الهنود الحمر قوم متخلفون وليس لهم أمان، وأنه يجب أن نحذرهم، فلما كبرنا نحن والزملاء عرفنا أن هذه مجرد كذب وتشويه لسمعة الهنود الحمر”.

ثانياً: تجد العنصرية المنافية للمساواة في كثير من الدوائر الحكومية، – ومنها مرات عديدة ومتكررة- في جوازات المطار وأقسام الشرطة والهيئات الأمنية والمحاكم بمجرد أنك مسلم أو عربي أو أسود أو من الهنود الحمر مسلمين أو غير مسلمين، يتم تأخيرك واستفزازك أو تتعطل معاملتك أو تقابل منهم بمعاملة سيئة جداً.

ثالثاً: عدم المساواة في وظائف الدولة التي صارت تتم بالمحسوبية والرشاوي.

حيث صارت الرشوة في الجهات الحكومية الرسمية وكذلك المؤسسات والشركات الكبرى شيء معتاد عليه، يعرفه الأمريكان وغير الأمريكان، حتى قال أحد العراقيين: أنا أوظف بعض الأمريكان الأصليين وغير الأمريكان من الجنسيات الأخرى ولي علاقة ببعض موظفي الدولة وببعض مدراء الشركات فأكون أنا الواسطة مقابل رشوة مالية أقسمها بيني وبين الموظف الكبير بالدولة أو مدير أي شركة أخرى، فقلت: أنت خرجت من ظلم العراق ونكده إلى نكد أمريكا وشررها، فهذه وظيفة لا تحل، وفي الحديث الصحيح: “لعن رسول الله الراشي والمرتشي”، [أخرجه الترمذي في جامعه، وأحمد في مسنده].

حتى المخالفات المرورية يتم إسقاطها بالرشوة في أمريكا وعامة دول الغرب وروسيا وبعض جمهورياتها السابقة ودول شرق وجنوب أسيا، كما شاهدت ذلك من خلال رحلاتي الدعوية والعلمية، ومن ذلك أني كنت في روسيا، أمشي بالسيارة مع شاب تعرفت عليه في موسكو فأشر لنا رجل المرور بأن نتوقف بدعوى أننا خالفنا، فاعترض الشاب على رجل المرور وقال له: لم نخالف، وبعد حوار بينهما أعطى الشاب رجل المرور حوالي خمسين روبل روسي أو أكثر، فقلت لماذا فقال: هذه رشوة اضطرني لدفعها كي يسقط المخالفة التي زعمها.

وأحد الإخوة يقول: ندفع الرشاوي لرجال المرور بأمريكا فيسقطون عنا المخالفة المرورية دون عناء.

رابعاً: لم تحل الدولة مشكلة الفقر المستشري بأمريكا ولم تراعِ ظروف الناس المتوسطي الدخل رغم ارتفاع أسعار الدواء والغذاء والعقار وغيرها مما يحتاجه المواطن كما تقدم، وقد أصدرت الجهات الرسمية بياناتٍ ونسباً مئوية مخيفة، فهناك عشرون مليون أمريكي اليوم يعيشون في منازل محمولة نظراً لفقرهم، كما يوجد 42 مليون مواطن أمريكي يعيشون تحت خط الفقر، و50 مليون إنسان متقاعد لا يعمل.

خامساً: أصناف الظلم المنافي للمساواة والعدل يطول ذكره في أمريكا وديمقراطيتها.

وعلى سبيل المثال، أصدرت الجهات الرسمية الأمريكية بيانات تتنافى مع المساواة والعدل، وإليكم أهمها:

أ.63% من سجناء أمريكا يُمنعون من القراءة.

ب. دولار واحد من كل خمسة دولار من الضرائب يذهب لصالح وزارة الدفاع، لتبقى الهيمنة الدولية لأمريكا على حساب مستوى معيشة الشعب، وهناك نسبة من الضريبة تذهب لصالح اليهود في فلسطين المحتلة.

ج. عدد جنود سجون جوانتانمو أكثر من عدد المساجين، بحيث تتكلف أمريكا ما يقارب من ثلاثة مليون دولار سنوياً على السجين الواحد مع تعذيبهم بالطرق الوحشية واستفزازهم دينياً وعرقياً وأخلاقياً، ومن حقهم كمساجين في النظام الديمقراطي أن يتحولوا للقضاء لمحاكمتهم، ومع ذلك لم يتم منذ عهد الرئيس “جورج بوش” حتى هذه الساعة.

سادساً: ارتفاع أسعار الدواء بنسبة 53%، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 30%، فهناك أدوية لا توفرها الدولة الأمريكية فيشتريها المواطن من الأسواق، فإذا لم يكن لديه مال وأراد أن يقترض لأجل الدواء والمعيشة والعقار وغيرها، فإن البنوك لا ترحمه بل تعطيه مالاً مقابل نسبة ربوية ما بين 4 و5% حسب الشركة أو البنك.

وقد أثبتت التقارير أن عامة الشعب الأمريكي مديون، وندر أن تجد أمريكياً غير مديون، بل أثبتت التقارير أن متوسط الديون للفرد الواحد بأمريكا سنوياً هو 11400 دولار أمريكي غير شاملة للإيجار والعقارات.

أليس من العدالة والمساواة في النظام الديمقراطي ألا تحمل الدولة بقوانينها ما لا يطيق المواطن؟!!، أين الدولة الديمقراطية العادلة التي يزعمون أنها توفر للمواطن العيش السعيد والمساواة؟!! وكلما جاءت سنة تحولت أمريكا من سيئ إلى أسوأ على مستوى كافة هيئاتها وقوانينها وتعاملاتها المنافية للمساواة.

هذه هي الديمقراطية الوهمية التي فشلت في أقوى وأغنى دولة في العالم، فكيف لا تفشل في دولنا العربية؟!!.

وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.

——-أهم المصادر:——

١- أكسيس دي توكفيل – الديمقراطية في أمريكا – تلخيص وتعليق: عبد الله الهرامة

2- د. رأفت غنيمي – أمريكا والعالم في التاريخ الحديث والمعاصر- طبعة عين للدراسات والبحوث الإنسانية.

3-جاي باريني – ارض الميعاد – ثلاثة عشر كتابا غيرت امريكا – الدار الدولية باللغتين العربية والانجليزية.

4-مجموع صحف ومجلات ومواقع عربية وأجنبية.

5- د.صادق بن محمد البيضاني – إلى أين يتجه المسلمون – مخطوط




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام