التشبه بالكافرين بلبس القميص والبنطال
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 491: سؤالي لفضيلتكم: ما حكم لبس البنطلون والقميص الذي لا يحتوي على رسومات أو كتابات، ولكم جزيل الشكر؟
ج 491: سبق وأن قلنا: ليس كل لباس صنعه أهل الكفر ولبسه المسلمون يعد تشبهاً بهم ولكن لا يعني هذا أنه يجوز لبس كل شيء صنعه أهل الكفر، والقاعدة في هذا الباب: أن كل لبس حرمه الشرع أو كرهه واعتاده أهل الكفر فهو في حق المسلمين من التشبه مع كونه محرماً أو مكروهاً شرعاً.
وعلى سبيل المثال: أخرج الشيخان عن عبد الله بن عمر "أن عمر بن الخطاب رأى حُلَّة(1) سِيَرَاء(2) عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس هذه من لا خلاق(3) له في الآخرة" ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها حلة فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حُلَّة عُطَارِد(4) ما قلت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أكسكها لتلبسها" فكساها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخا له بمكة مشركاً"(5).
فالحديث فيه دلالة على أن من الثياب ما لا يحل شرعاً لكونه تشبهاً بالأعداء أو كونه من لبسهم بمعنى أن للباس علاقة بالدين.
ولذا أجمع علماء الإسلام على تبويب باب اللباس أو كتاب اللباس في الفقه ولم يخالف أحد ليعدوا اللباس من الدين رغم أنه في أصله من الأمور المباحة لولا الواجب منه ونحوه مما له تعلق بالشرع، وذكروا في هذا الباب أنواعاً عدة من الثياب التي لا يجوز لبسها لكونها من ثياب الكفار التي نهى عنها الشرع أو لكونها شابهت ما عليه أهل الكفر فكانت أشبه بثيابهم.
فحرمها أهل العلم أو كرهها من باب التشبه عملاً بما أخرجه أبو داود وغيره من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"(6).
إذن فليست الثياب من مطلق المباح ولكنها تختلف من نوع لآخر، فإن عارضت نصاً شرعياً أو أشبهت ثياب أهل الكبر أو نافت شخصية المسلم المعهود بزيه فلا تحل إما للنهي المحض وإما لكونها من التشبه الظاهري لأهل الكفر - التشبه الذي ينافي الشخصية الإسلاميةـ فلبس البنطال والكرفته والبدلة لم يجزه شرع أو عرف معتبر بل هو من التشبه بالأعداء، وأعني بالبنطال ذلك اللبس الضيق الذي يبين مقاطع الشخص ومفاتنه ويظهره بالمظهر الغربي العفن وإن كان ذا لحية وسواك.
فمتى كان المسلمون المتدينون رجالاً يتباهون بلباس الكفار الذي يفتن نساءهم بسبب هذه البناطيل التي تظهر مقاطع ومفاصل الرجل ومفاتنه والتي هي ثياب الكاسي العاري - كاسي لأن عورته لا تظهر جلية وعاري لأن ملامحها تتبين مواطنها، لكن أبدلنا الشرع عنها بالسراويل وهي شبيهة بالبنطال لكنها فضفاضة واسعة فهذه جائزة اللبس.
ولذا أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: "من لم يجد الإزار(7) فليلبس السراويل ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين"(8).
لكن نحن إلا من رحم الله استبدلنا السراويل بجواز لبس البنطال وهذا ليس من الدين في شيء، وعليه فيلزم المسلم المتعقل أن يقف حيث وقف الدليل ولا يتعداه.
والقميص لا بأس به متى كان غير ضيق فاتن ما دام لم يحتو على تصاوير أو شعارات تخدم أعداء الله وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) إزار ورداء وقيل غير ذلك.
([2]) من أنواع الحرير وقيل غير ذلك.
([3]) نصيب من الخير.
([4]) عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي: خطيب، من سراة بني تميم، قيل: وفد على كسرى في الجاهلية وطلب منه قوس أبيه، فردها عليه وكساه حلية ديباج، ولما ظهر الإسلام وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فكان خطيبه، واستعمله على صدقات بني تميم, وارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتبع سجاح, توفي تقريبًا سنة 20 هـ، [الزركلي, الأعلام (4/ 236)، مصدر سابق].
([5]) أخرجه البخاري في صحيحه [ كتاب الجمعة، باب يلبس أحسن ما يجد (1/302 رقم 846)]، ومسلم في صحيحه [كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم الذهب والحرير على الرجل وإباحته للنساء وإباحة العلم ونحوه للرجل ما لم يزد على أربع أصابع (3/1638 رقم 2068)] كلاهما من حديث عبد الله بن عمر.
([6]) أخرجه أبو داود في سننه [كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة (2/441 رقم 4031)] من حديث ابن عمر.
([7]) ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن.
([8]) أخرجه البخاري في صحيحه [أبواب الإحصار وجزاء الصيد, باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل (2/654 رقم 1746)]، ومسلم في صحيحه [ كتاب الحج, باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه (2/835 رقم 1178)] كلاهما من حديث ابن عباس.