لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن (8)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الثامنة: الحوثي والعقيدة، مشروع مسخ ديني وتحريف عقائدي
نحن في زمن الفتنة، زمن تتغير فيها معالم الدين، حين تغتال الثوابت، وتلبس الحقائق بلباس الخداع، يخرج المشروع الحوثي ليقدم نفسه لا كمجرد جماعة سياسية، بل كمشروع عقائدي يسعى إلى إعادة صياغة الدين نفسه، لا على منهاج النبوة، بل على نهج السلالة، وتاريخ الكهنوت، ومرويات العرق المقدس.
لقد جاء الحوثي لا ليعيد اليمن إلى الحق، بل ليجعل نفسه أداة لإذلال الناس، وتكريس خرافة الحق الإلهي، وإحياء تراث الطاعنين في الصحابة، والمبغضين لأمهات المؤمنين، والمتهمين للقرآن بالتحريف في بطون الكتب التي يروجون لها سرا وعلنا.
لم يكتف الحوثيون بإظهار ملامح الزيدية الفقهية القديمة، التي تخالف جمهور أهل السنة في كثير من الفروع العملية، بل سعوا إلى تهجينها بالاثني عشرية العقائدية، وغرس جذور الإمامية الرافضية في ثنايا المناهج، والمساجد، والمجالس، وخطب الجمعة، ومجالس عاشوراء، والاحتفالات الدينية المفتعلة، التي لم يعرفها اليمنيون إلا بعد قدومهم.
فجأة، صار من الطبيعي أن يقال للناس في المساجد:
من لا يؤمن بالولاية، فقد خان بيعة الغدير!.
وصار ذكر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مقصودا به تسلسل الأئمة من ذرية بعينها.
وغاب ذكر الخلفاء الراشدين من فوق المنابر، بل صار بعضهم يشتم ضمنيا، وربما صرح أو تجاهل متعمدا.
وحتى الصلاة: على محمد وآل محمد وأصحابه أجمعين، أصبحت ناقصة في فم خطيبهم، مقتصرا على آل مخصوصين بمقاييس السلالة.
خطبة الجمعة: أصبحت خطبة منصة لتقديس السلالة، وفرض الطاعة العمياء لها، وتكفير خصومهم سياسيا باسم الدين.
وأما المدارس والمناهج: فقد زرعوا في الكتب المقررة إشارات الولاء، وقزمت قضايا العقيدة الكبرى، واستبدلت بمصطلحات الولاية والمسيرة القرآنية المزعومة، وغيب الحديث عن عقيدة السلف (أهل القرون الثلاثة المفضلة).
الحسينيات ومجالس عاشوراء: تحولت إلى مآتم سياسية، يبث فيها الحقد على الصحابة، وتبكى فيها أحداث كربلاء بوصفها أصل الدين، بدل أن تكون عظة في سياق التاريخ من غير احتفال.
الدورات الثقافية: وهي معسكرات غسيل دماغ يفرض فيها على الشباب الإيمان بولاية السيد، والتسليم المطلق لتفسير الحوثي للإسلام.
من لم يفهم طبيعة المشروع الحوثي سيظنه خلافا فقهيا أو اجتهادا مذهبيا. والحقيقة أنه مسخ للدين من أساسه، واستبدال لعقيدة الإسلام الأولى، التي وحدت الأمة على التوحيد والنبوة والقرآن، بعقيدة تحصر الدين في طاعة الرجل، والسلالة، وعلم الهدى، ومن خالفهم فهو ناصبي وداعشي وعدو لآل البيت، ووهابي، وعميل، وصهيوني.
يحرمون الاحتكام للكتاب والسنة، والشرع عندهم ما قاله السيد (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).