السبت 17 شعبان 1446 هـ || الموافق 15 فبراير 2025 م


قائمة الأقسام   ||    أسئلة حول ثورات الربيع العربي وأقوال الثوار    ||    عدد المشاهدات: 9284

حكم من يحكم الناس بالأنظمة والقوانين الوضعية وهل يعد من ولاة الأمر؟، وهل يجوز الخروج عليه؟، وبيان الفرق بين ولي الأمر والحاكم والطاغوت

(ضمن حلقات أسئلة حول ثورات الربيع العربي وأقوال الثوار)
حوار هادئ مع الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة رقم (11)

أجرى الحوار : عارف عقلان المدحجي


س 11: هل من يحكم الناس بالأنظمة والقوانين الوضعية ويحكم بغير ما أنزل الله كأن يحكم بالديمقراطية والاشتراكية والعلمانية واللبرالية والأحكام القبلية والعرفية وغيرها يعد من ولاة الأمر وتلزم طاعته؟ وهل هناك فرق بين ولي الأمر والحاكم والطاغوت؟ وإذا فرضنا أن الحاكم كفر أو ظهر منه الكفر أليس من حق الشعب الخروج عليه؟


ج 11: من يحكم الناس بالأنظمة الوضعية، وبكل حكم يتعارض مع حكم الله، فيه تفصيل:

أولاً: أن من عمل بالنظام الوضعي كالديمقراطية أو بغيره مما هو ليس من حكم الله، ومما فيه المعارضة لحكم الله أو حكم ببعضه خوفاً من بطش الكافرين وضغوطهم وتساهل ذلك الحاكم في دفعها، ولم يستخف بحكم الله، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غير حكم الله أصلح منه، وهو يكفر بمبادئ الأنظمة الوضعية في قلبه ويقيم الصلاة، فهذا مسلم ظالم لنفسه وليس بكافر، ومعرض لغضب الله ومقته في الدنيا والآخرة، وهذا ما يُسمى بالكفر الأصغر غير المخرج من الملة.

ويتنزل على مثله قول الله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون".

وقوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون".

وهذا ما يُسمى بالكفر دون الكفر.
وهذا الحكم يجمع ما بين الفسق والظلم وإن كان أصل الٱيتين في بني إسرائيل.
وقد جمعت في الحكم بين الفسق والظلم لأنه أولى من القول بالتفريق، إذ دخول الفسق في الظلم صحيح، والعكس مثله، والاختلاف في النص لفظي واصطلاحي ليس غير وأما المآل فواحد..

وفي هذه الحالة لزم العلماء والدعاة والعقلاء نصح ولي الأمر بالحكمة واللين بعيداً عن إحداث الفتن وبعيداً عن كشف عواره ومثالبه من على المنابر وفي المحاضرات والندوات وفي المجالس وأمام العوام باسمه، مع وجوب انكارهم للفساد وانكارهم لكل من يحكم بغير ما أنزل الله دون تسميته ليكون ذلك بياناً للأمة بأن هذه الأحكام كفرية من باب قول النبي عليه الصلاة والسلام: "ما بال أقول يقولون كذا ويفعلون كذا".

فالحرص على جمع الكلمة خير من تفريق الصف بسبب خطأ أو منكر صدر من الوالي، وأيضاً حذراً من بطش السلطان الغشوم.

وذلك أن السلطان الغشوم لم يقم سلطانه إلا بالسيف ولا زال يحرسه بالسيف، فحفاظاً على سلامة الدماء وتدمير البلدان والبعد عن بطشه لزمت الحكمة والنصيحة في غير مفسدة سواء كانت سراً أو جهراً، وذلك للتأثير عليه، درءاً للمفاسد وجلباً للمصالح، هكذا قامت نصوص الشريعة السمحة.

ثانياً: إذا حَكَمَ به أو ببعضه اتباعاً للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه أو لأسباب أخرى وهو يعلم أنه عاص، ويرى أن الإسلام هو الحق في جميع أحكامه ويقيم الصلاة، فحكمه حكم السابق ولا يكفر أيضاً.

ثالثاً: إذا حكم بالنظام الوضعي أو دعا إلى التحاكم إليه أو إلى غيره مما يتعارض مع حكم الله أو أمر بوضع تشريعات للشعب تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، أو اعتقد أن النظام الوضعي أفضل من الإسلام أو مساو لحكم الإسلام أو أنه يجوز تبديل حكم الاسلام بغيره، استخفافاً بالحكم بما أنزل الله أو غير مستخف، أو احتقاراً له، أو أنه مخير إن شاء حكم بما أنزل الله، وإن شاء حكم بغير ما أنزل الله، فهذا كافر حتى وإن قال: إن تحكيم الشريعة أفضل أو قال الشريعة مصدر رئيس للحكم في الدولة أو قال هي أحد أحكام التشريع في الدولة إذا أراد بذلك التستر بهذه العبارات على حقيقة واقعه المتقدم في هذه الفقرة.

ومثله أيضاً يكفر كفراً مخرجاً من الملة من يعتقد: أن حكم الله لا يصلح لهذا الزمان، وإنما يصلح الحكم بالقوانين الوضعية باعتبار أن هذا العصر عصر حضارة وتقدم، وأن عصر الاسلام بأحكامه لا يتوافق مع هذا العصر.

ويتنزل في هذا القسم قوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".

وكل ما تقدم مشروط بالعلم أما من جهل حكم الله وحكم بغيره فلا نكفره حتى نقيم عليه الحجة ونزيل عنه الشبهة، فإن مشايخ القبائل يحكمون بأعراف وأحكام تتصادم مع الدين على جهل فلا نحكم بكفرهم حتى نعلم أنهم قد علموا حكم الله، ولا يُشترط الاستحلال في هذا الباب وإن كان شيخنا الألباني قد اشترطه، وبعض كلام ابن باز يوحي بذلك على قول له، إلا أن المشهور عن أهل العلم عدم اشتراط الاستحلال في الحكم المبدل، ومعنى ذلك أنه يكفر من باب أولى من استحل غير حكم الله أو جحد حكم الله أو كذبه.

قال الله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا".

وقال تعالى: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا".

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/267): "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء"اهـ.

وقال ابن كثير كما في البداية والنهاية (13/139): "فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين"اهـ
وأخرج بما تقدم بالنتائج التالية:
النتيجة الأولى: أن من أقام حكم الله فحكم بما أنزل الله فهو ولي أمر صالح تجب طاعته شرعاً، وهذا هو ولي الأمر العادل.

النتيجة الثانية: أن من حكم بغير ما أنزل الله أو ببعضه من غير استخفاف بما أنزل الله وهو يكفر بمبادئ الأنظمة الوضعية ويقيم الصلاة، وإنما حكم بها خطأ منه أو بسبب ضغوط وخوف من الأعداء نظراً لضعفه وضعف المسلمين، فهذا ولي أمر أيضاً لكنه حاكم مسلم فاسق ظالم لنفسه وليس بكافر، ومعرض لغضب الله ومقته في الدنيا والآخرة، ويلزم طاعته في المعروف دون المعصية وفي كل مصلحة شرعية راجحة.

النتيجة الثالثة: أن من حكم بغير ما أنزل الله أو ببعضه مما يتعارض مع حكم الله أو أمر بوضع تشريعات للشعب تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، أو اعتقد أن النظام الوضعي أفضل من الإسلام أو مساو لحكم الإسلام أو أنه يجوز تبديل حكم الاسلام بغيره، استخفافاً بالحكم بما أنزل الله أو غير مستخف، أو احتقاراً له، أو أنه مخير إن شاء حكم بما أنزل الله، وإن شاء حكم بغير ما أنزل الله، أو قال: إن حكم الله لا يصلح لهذا الزمان، وإنما يصلح الحكم بالقوانين الوضعية باعتبار أن هذا العصر عصر حضارة وتقدم، وأن عصر الاسلام بأحكامه لا يتوافق مع هذا العصر فهذا طاغوت كافر وليس بولي أمر للمسلمين، وقد ظهر منه الكفر البواح.

والطاغوت كل من حكم بغير ما أنزل رافضاً لحكم الله، كما يطلق لفظ الطاغوت : على كل ما عُبد من غير الله، وهذا يدل على أن ولي الأمر يختلف عن الطاغوت، وكل واحد منهما إذا حكم سميناه حاكماً، لكن قد يكون حاكماً عادلاً أو ظالماً أو طاغوتياً.

وبقيت مسألة في هذا الباب وهي مسألة من ظهر منه الكفر البواح وفقاً للتفصيلات السابقة، هل نخرج عليه عند عدم قدرتنا أم لا؟

والجواب بإيجاز: أن الأصل وجوب الخروج على كل من ظهر منه الكفر البواح الذي عندنا فيه برهان عند القدرة والمصلحة الراجحة، فإذا كانت المفسدة أعظم ولا قدرة للخارجين عليه سوى زيادة كفره وفجوره وسفكه للدماء ومحاربة الدين والعلماء والمسلمين، فإنه يُمنع الخروج عليه مع الصبر على أذاه حقناً للدماء وتسكيناً للدهماء، ويلزم المسلمين التوجه إلى الله بالدعاء أن يبدلهم الله خيراً منه.

وقد بنى العلماء عدم الخروج عليه في حالة الضعف وعدم القدرة عملاً بالقاعدة الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه)، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين.

يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه الشرح الممتع (11\323) : والأئمة لا يجوز الخروج عليهم إلا بشروط مغلظة؛ لأن أضرار الخروج عليهم أضعافُ أضعافُ ما يريد هؤلاء من الإصلاح، وهذه الشروط هي:

الأول: أن نعلم علم اليقين أنهم أتوا كفراً.
الثاني: أن نعلم أن هذا الكفر صريح ليس فيه تأويل، ولا يحتمل التأويل، صريح ظاهر واضح؛ لأن الصريح كما جاء في الحديث هو الشيء الظاهر البين العالي، كما قال الله تعالى عن فرعون أنه قال لهامان: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ}، فلا بد أن يكون صريحاً، أما ما يحتمل التأويل، فإنه لا يسوِّغ الخروج عن الإمام.

الثالث: أن يكون عندنا فيه من الله برهان ودليل قاطع مثل الشمس أن هذا كفر، فلا بد إذن: أن نعلم أنه كفر، وأن نعلم أن مرتكبه كافر لعدم التأويل، كما قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان» وقالوا: أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة ، أي: ما داموا يصلون.

الرابع: القدرة على إزالته، أما إذا علمنا أننا لا نزيله إلا بقتال، تُراقُ فيه الدماء وتستباح فيه الحرمات، فلا يجوز أن نتكلم أبداً، ولكن نسأل الله أن يهديه أو يزيله؛ لأننا لو فعلنا وليس عندنا قدرة، فهل يمكن أن يتزحزح هذا الوالي الكافر عما هو عليه؟ لا، بل لا يزداد إلا تمسكاً بما هو عليه، وما أكثر الذين يناصرونه، إذاً يكون سعينا بالخروج عليه مفسدة عظيمة، لا يزول بها الباطل بل يقوى بها الباطل، ويكون الإثم علينا، فنحن الذين وضعنا رقابنا تحت سيوفه، ولا أحد أحكم من الله، ولم يفرض القتال على النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ إلا حين كان لهم دولة مستقلة، وإلا فإنهم كانوا يهانون في مكة، الذي يُحبس، والذي يُقتل، والذي توضع عليه الحجارة المحماة على بطنه، ومحمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجع من الطائف، يرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبه ولم يُؤمر بالقتال؛ لأن الله حكيم؛ ولذلك مع الأسف الشديد لا تجد أحداً عصى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وخرج على الإمام بما للإمام فيه شبهة، إلا ندم وكان ضرراً على شعبه، ولم يزل الإمام، ولا أريد بالإمام الإمام الأعظم؛ لأن الإمام الأعظم ذهب من زمان، لكن إمام كل قوم من له سلطة عليهم" انتهى كلامه رحمه الله.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في الفتاوى (9/203) : لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ، ولا الخروج عليهم، إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً وشراً عظيماً، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور: فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة.
1- أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا.
2- أو كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج، رعايةً للمصالح العامة.

والقاعدة الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه)، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً:
عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس
أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال... إلى غير هذا من الفساد العظيم, فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير.

هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يُسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر" انتهى كلامه رحمه الله، ولا مزيد على ما تقدم.

للحوار بقية، يتبع في حلقات قادمة بإذن الله.
 




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام