السبت 17 شعبان 1446 هـ || الموافق 15 فبراير 2025 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 5547

حكم من سب الصحابة واعتقد بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه بالخلافة

بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني 


س 299: ما حكم من سب الصحابة؟ وما حكم من اعتقد أن علي بن أبي طالب هو وصي الرسول عليه الصلاة والسلام؟


ج 299: سب الصحابة من الكبائر العظام كما ثبت ذلك عن سلفنا الصالح، فقد ثبت عن المغيرة بن مقسم([1]) رحمه الله أنه قال: كان يقال شتم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الكبائر([2]).

والحاصل أن في المسألة تفصيلًا:

فإن استحل ذلك أو جرح في عدالتهم أو شك في إيمانهم أو أبغضهم فقد كفر وخرج عن دائرة الدين فمثله مكذب لنصوص الكتاب والسنة الواردة في الثناء عليهم وفي ذكر نصرتهم لرسول الله ودينه الحنيف.

ومن ذلك قوله تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ"([3]).

قال الشاطبي في الموافقات في الجزء الرابع: ".. ومن أبغضهم فقد أبغض النبي عليه الصلاة"([4]).

فهذا الصنف مكذب لنصوص الكتاب والسنة فلا إيمان له.

ويدخل في ذلك كل من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه اتفاقًا.

أما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم ولا دينهم مثل من وصف بعضهم ببخل أو جبن أو قلة علم أو عدم زهد ونحوه.

فقد ذكر البهوتي([5]) رحمه الله في الكشاف هذه المسألة وقال: إن هذا يستحق التأديب والتعزير ولا يكفر([6]).

وأما من لعن وقبح مطلقًا فهذا محل الخلاف أعني هل يكفر أو يفسق توقف أحمد في كفره وقتله.

وقال يعاقب ويجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عن ذلك وهذا المشهور من مذهب مالك وقيل يكفر إن استحله.

وقد جاء في بعض أقوال الإمام مالك القول بالتكفير مطلقًا والصحيح التفصيل، والله أعلم.

ومن كان سبه وبغضه على جهل وتقليد فيقال له هذا كفر وتقام عليه الحجة فإن عاند الحق البين فحكمه على ما سبق تفصيله، وبالله التوفيق.

وأما من زعم أن عليًا وصي الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه لا حق لأبي بكر في الخلافة بعد رسوله وكان هذا الزعم عن بغض وكراهية لأبي بكر فهذا كفر، وإذا كان على جهالة أو تقليد لزم إقامة الحجة عليه، وقد أجمع علماء السلف والخلف أن الخلافة بعد رسول الله لأبي بكر وأنه أحق بها، وإجماع السلف حجة يحرم رده اتفاقًا، وإنكاره كفر.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام يوم غدير خم([7]) : "من كنت مولاه فعلي مولاه"([8]).

فحديث صحيح عند أحمد وغيره وهو يدل على فضل علي رضي الله عنه.

ولكن لا يعني أنه أفضل من أبي بكر بل باعتراف علي نفسه كما صح عنه في كتاب السنة لابن أبي عاصم وعبد الله بن أحمد قال علي رضي الله عنه: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وبعد أبي بكر عمر ولو شئت أن أسمي لكم الثالث لفعلت"([9]).

وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم([10]).

ثم النبي عليه الصلاة والسلام لم يوص بالخلافة لأحد من الصحابة وإنما أجمع الصحابة ومنهم علي وأهل البيت على مبايعة أبي بكر لها فلا وصي في الخلافة أصلًا أصلح الله الأمة ؛ وبالله التوفيق.
____
([1]) المغيرة بن مقسم الضبي مولاهم أبو هشام الكوفي الأعمى الفقيه كثير الحديث، مدلس، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة، [أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، تهذيب التهذيب، دار الفكر، بيروت، الطبعة: الأولى، 1404 هـ - 1984 م (10/242)].
([2]) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (3/932)، [عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي، تفسير القرآن، تحقيق: أسعد محمد الطيب، المكتبة العصرية، صيدا].
([3]) سورة التوبة، الآية (100).
([4]) إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي (الشاطبي)، الموافقات في أصول الفقه، المالكي، تحقيق: عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت (4/79).
([5]) منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى، شيخ الحنابلة بمصر في عصره، ولد سنة 1000 هـ، نسبته إلى (بهوت) في غربية مصر، له كتب، منها (الروض المربع شرح زاد المستقنع المختصر من المقنع)، (كشاف القناع عن متن الاقناع للحجاوى)، وتوفي سنة 1051 هـ [خير الدين الزركلي الجزء الاول دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة أيار (مايو)، 1980 م (7/307)].
([6]) منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، تحقيق هلال مصيلحي مصطفى هلال، دار الفكر، بيروت، 1402 هـ  (6/172).
([7]) على ثلاثة أميال من الجحفة بها غدير ماء وقيل موضع بالجحفة بين الحرمين، قيل هو غدير تصب فيه عين وبين الغدير والعين مسجد للنبي {صلى الله عليه وسلم}، قيل وادي موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحُمى.

([8]) أخرجه أحمد في مسنده [مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند على بن أبى طالب (1/84 رقم 641)] من حديث علي بن أبي طالب.
([9]) أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة [سئل عمن قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر ثم عمر (2/581 رقم 1370)] من حديث علي بن أبي طالب موقوفًا، بلفظ "خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبوبكر وخيرها بعد أبي بكر عمر ولو شئت لسميت الثالث".
([10]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه (12/462 رقم 3697)] عن ابن عمر.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام