ماذا خسر الملحد العربي بعد ردته عن الإسلام؟
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
حين يترك الإنسان الإسلام ويعلن إلحاده، لا يخسر مجرد معتقد، بل يفقد أعظم ما في الوجود: الإيمان، والسكينة، والمعنى، والهوية، والرجاء.
هذه خسائر لا تُقاس بالأرقام، ولا تعوضها شهرة ولا أضواء إعلامية ولا تشجيع مجموعة أفراد على منصات التواصل، بل هي تمزقات عميقة في القلب والروح والضمير، وإن تظاهر بغير ذلك.
وسأذكر في هذا المقال: أبرز ما يخسره الملحد حين يرتدّ عن الإسلام:
أولا: فقد أعظم نعمة، وهي الإيمان بالله.
الإيمان بالله هو روح الحياة، ونور القلب، وزاد الطريق. حين كان مسلما، كان يعلم أن له ربا يسمعه ويراه، ويعلم سره ونجواه. أما حين ألحد، فقد هذا الركن الأعظم، وصار قلبه خاويا من نور الله، تائها في ظلمات التيه.
لم يعد يؤمن أن لهذا الكون حكمة، ولا أن لحياته تدبيرا من خالق رحيم، بل صار عبدا للعشوائية، أسيرا لفلسفة العبث، يعتقد أن الحياة بلا غاية، وأن الموت نهاية تامة، وأن الفناء هو المصير. وهذه ليست قناعة عقل، بل سحق بطيء للروح.
ثانيا: فقد الطمأنينة والأمان الوجودي.
قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
كان في الإسلام مأوى دائم للرجوع، اسمه التوبة، وملجأ اسمه رحمة الله، فإذا زل عاد، وإذا أخطأ تاب، وكان يوقن أن الله غفور رحيم، أما بعد الإلحاد، فقد انقطع عن هذا الباب، فلا مغفرة في المادية، ولا رحمة في الفلسفة الإلحادية.
كان يستند إلى إله قوي عادل، يدفع عنه الظلم، ويأخذ له بحقه، فلما ألحد، صار في مواجهة الحياة وحيدا، بلا سند ولا عدالة مطلقة.
لم يعد له دعاء يرفعه، ولا آية تهديه، ولا سجدة تسكن قلبه، ولا يقين يواسيه في أحزانه، فضاعت السكينة، وتبخرت الطمأنينة.
ثالثا: فقد القاعدة الأخلاقية الثابتة.
حين يُلغى الاحتكام إلى الوحي، وتُستبعد مرجعية القرآن والسنة، تصبح الأخلاق أهواء شخصية، والحلال والحرام وجهات نظر، وتعاد صياغة القيم على أيدي البشر المتقلبين.
في الإسلام، الخير والشر محسومان، والعدل والظلم لهما ميزان رباني، والأخلاق مرتبطة بخالقها، أما في الإلحاد، فكل شيء نسبي، لا حجة فيه ولا ضابط.
فكيف يمكنه اليوم أن يُدين الكذب أو الخيانة أو الزنا، وهو لا يؤمن بإله يفرض أو ينهى؟ ما الذي يجعل الزنا شرّا في قاموسه، أو يجعل الأمانة فضيلة، إذا لم تكن هناك مرجعية مطلقة؟!
لقد هدم البناء الذي عاش فيه عمره، وصار تائها وسط أنقاضه.
رابعا: فقد المعنى الحقيقي للحياة.
لقد سأل ملحد زملاءه الملاحدة: ما الغاية من وجودنا؟ فتاهوا بين فرضيات فارغة، ولم يجدوا جوابا.
أما المؤمن فيقول الغاية عبادة الله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، ويعلم أن الحياة دار امتحان، والموت انتقال، والآخرة موعِد للخلود والجزاء.
هذه الرؤية كانت تمنحه المعنى والهدف والمقصِد.
أما بعد الإلحاد، فصار يرى الحياة تفاعلات بيولوجية مؤقتة، والموت فناء لا رجعة بعده، والكون لعبة عمياء لا هدف لها.
وهذا عبث ساحق يُنهك العقل ويمزق النفس، مهما زينوه بألفاظ: العقلانية، والتحرر والمنطق ونحوها من الألفاظ التي يلوكونها بألسنتهم.
يضحك أمام الكاميرا، لكنه يعلم في قرارة نفسه أنه لا يدري لماذا وُلد، ولا إلى أين يسير.
خامسا: فقد إرث النبوة، ونور الوحي، وهدى محمد صلى الله عليه وسلم.
لم يعد يرى محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا يوحى إليه، بل وصفه بـ: مصلح اجتماعي، أو عبقري تاريخي، وهذه من أعظم الخسارات.
فقد الإيمان بالقرآن، الذي كان شفاء لما في الصدور، وهديا للعالمين، وصار يعتبره من تأليف بشر.
انطفأ في قلبه نور النبوة، وابتعد عن السيرة الطاهرة، ولم يعد ينظر إليها بعين المحبة، بل بعين الشك والطعن.
وهذه خيانة معرفية، قبل أن تكون دينية.
لقد انقطع عن الطريق الوحيد (طريق النبوة) الموصل إلى الله.
سادسا: فقد الأخوة الإيمانية والهوية الجامعة.
قال النبي صلى عليه وسلم كما في الصحيحين: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه).
كان له إخوة، يحبهم ويحبونه، يناصحونه ويشدّون أزره، فلما ألحد، انقطع هذا الرابط، وخسر دفء المجالس الإيمانية، وصار غريبا عنهم.
لم يعد له مكان بين المسلمين إلا من باب المجاملة، بعد أن طعن في دينهم وسخر من عقيدتهم، فأصبح اسمه مقرونا بالفتنة والتشويش، بعد أن كان من أبناء البيت.
خسر الهوية الكبرى التي تربطه بأمة الإسلام، واختار عزلة عقائدية لا دفء فيها.
سابعا: فقد الرجاء في الآخرة.
من ينكر الآخرة، ينحر الرجاء في قلبه وهو لا يشعر.
لم يعد يؤمن بجنة ولا نار، ولا حساب ولا جزاء، ولا يوم يرجع فيه الناس إلى ربهم. فصار يقنع نفسه أن المظلوم لن ينصر، وأن القاتل لن يحاسب، وأن الظالم سيهرب بجريمته.
وهذا ليس عقلا، بل انتحار داخلي للمبادئ، فالفطرة التي فُطر عليها الإنسان تنادي: أن العدل لا بد له من رب، وأن الظلم لا بد له من نهاية.
ثامنا: فقد الهيبة والاحترام الحقيقي.
قد يختلف معك الليبرالي أو العلماني، لكنّه لا يتهكم على الله ورسوله. أما الملحد المحارب، فغالبا ما يكون عدائيا ساخرا، يستهزئ بالدين وأهله، وهذا يسقط هيبته بين الناس.
مهما حاول أن يظهر بمظهر المفكر أو الإعلامي الحاذق، فإن تهكمه على الإسلام يجعله مرفوضا في وعي الناس العقلاء.
صار يُذكر في المجالس مقرونا بكلمات مثل: الكفر، التطاول، التجديف، الكذب، التكبر على الله، وهذا يجعل سمعته ملطخة مهما لمع اسمه في الإعلام.
تاسعا: فقد باب الرجاء في رحمة الله.
الله سبحانه رحيم غفور، لكن من يموت على الكفر، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة.
قال الله تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، خالدين فيها، لا يُخفف عنهم العذاب ولا هم يُنظرون}.
إنه إن مات على إلحاد، فقد خسر الجنة، وكُتب عليه الخلود في النار، والعياذ بالله. ولن تنفعه مناظراته، ولا شهرته، ولا مقالاته، ولا تشجيع من شجعه، ودعم من دعمه، إن لم يتب ويرجع إلى ربه.
فيا من زلت قدمك في طريق الإلحاد: لا تخجل أن تعود، فإن الله أكرم من أن يرد تائبا، والقرآن لا يزال مفتوحا، ومحمد صلى الله عليه وسلم لا يزال نبيك إن رجعت إليه.
اعلم أن أعظم مصيبة يصاب بها الإنسان أن يُحرم من نور الله بعد أن عرفه.
قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
اللهم رد كل ضال إليك ردا جميلا، واغفر لمن غرتهم الدنيا، وزيّن لهم الشيطان الباطل، فظنوه عقلا ومنطقا، وهو الهلاك بعينه.