الدولة المدنية "دولة لا دينية"
( ضمن سلسلة مفاهيم يجب أن تصحح )
الحلقة (3).
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
تنقسم الدولة من حيث الأنظمة العامة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول وهو أشرفها على الاطلاق، وهو الدولة الإسلامية، وهي : الدولة التي تطبق أحكام الشريعة وفقاً للنظام الاسلامي المتمثل بالكتاب والسنة، وليس من هذا القسم الدولة الاسلامية الداعشية، فتلك دولة خارجية مارقة.
القسم الثاني: الدولة المدنية، وهي الدولة التي لا تحتكم إلى أحكام دينية، كالدولة الديمقراطية سواء كانت ديمقراطية بمنهج إلحادي علماني أم بمنهج لبرالي، أو كانت بنظام فاشي أو اشتراكي شيوعي، فكلها لا دينية.
القسم الثالث: الدولة الحديثة، وتطلق على القسمين السابقين معاً متى ما كانت تلكم الدولة متقدمة ومنافسة غيرها في جميع المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والعتادية والنظامية ونحوها، وقد تكون ملكية أو جمهورية أو سلطانية أو اتحادية.
وقد أكثر بعض السياسيين والمفكرين والاعلاميين العصريين من الحديث عن " الدولة المدنية " دون النظر لحقيقتها وحقيقة نظامها التشريعي اللاديني إبان الثورة الأوربية العلمانية على الطغيان الكنسي وفقاً للمعاجم الانجليزية وقواميسها ووفقاً لتعريف دائرة المعارف البريطانية لمعنى " الدولة المدنية"، فتجدهم يتكلمون عن الدولة المدنية بتعبيرات تعني الدولة الحديثة او دولة السلام والنظام والسماحة والعدل والامن المزعوم، وتارة يعبرون بالدولة المتقدمة في جميع المجالات، وهذه تعريفات غير موضوعية لا تخضع لحقيقة من اسس بنيانها إبان الثورة الأوربية ولا توافق واقعها العملي لدى من لديهم دول مدنية.
ومن جهة أخرى تعتبر أغلب الدول الإسلامية والعربية دولاً مزجت تشريعاتها ما بين تشريعات إسلامية وتشريعات مدنية لا دينية، حيث جعلت في دساتيرها أن مصدر التشريع هو الشريعة الإسلامية، وبعضها جعلت الشريعة الإسلامية أهم مصادر تشريعاتها، أو من مصادر تشريعاتها حسب العبارات من دولة لأخرى، وهذا في الجملة خير من دولة مدنية بحتة، لكن لا يقال إنها هي الدولة المدنية، وإن سماها بعض العرب بالمدنية نظراً لفهمه الخطأ، والقاصر، كالذي يريد أن يعرف الديمقراطية والعلمانية واللبرالية من وجهة نظره فيعرفها من غير فهم صحيح لها ثم يثني عليها بموجب تعريفه وفهمه الخطأ وهو لا يعلم حقيقتها وأخطارها على الأمة، وهذا ما بلينا به اليوم، وهو فهم المسائل " التي فيها الجمر تحت الرماد" على غير حقيقتها.
ومن العجب العجاب أن نسمع أو نقرأ لبعض الإعلاميين المتنورين والقادة الغيورين على الدين والوطن والشعب وكذا بعض الدعاة مطالبتهم بدولة مدنية دون أن يعرفوا أو يدركوا أنهم يدعون لقيام دولة لا تحتكم للشريعة الاسلامية، وهذا مفهوم خطأ، وغير مقصود ممن لا يرضى بتبديل حكم الله.
ولذا فالدعوة لذلك قد تحرجه في المؤتمرات واللقاءات مع أعداء الدين بسبب عدم تميزه عنهم، فيقولون له هذه هي الدولة المدنية التي تطالب بها، وكما يقول علماء القانون : القانون لا يحمي المغفلين.
وقد أحببت التنبيه حتى لا يقع بعض الفضلاء في الفخ من حيث لا يقصدون.
والعلاج شرعاً: هو المطالبة بدولة حديثة تحتكم إلى الشريعة الإسلامية.
وقد سبق بيان الطرق والخطوات العملية السليمة للوصول إليها في مقالات سابقة فأغنانا عن التكرار، ومن ذلك مقال "مشروع الدولة الحديثة في ظل النظام الاسلامي" وكذلك مقال "الموقف من الديمقراطية في حال فرضها على الشعب".
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.