لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن(39)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحوثي والمولد الشريف: من بدعة الفاطميين إلى أداة للهيمنة
لم يكن الاحتفال بما يسمى المولد النبوي الشريف معروفا في القرون الأولى للإسلام، وقد ذكرنا في كتابنا بدعة الاحتفال بالمولد النبوي: أن أول من أحدث احتفال بالمولد هم الفاطميون الباطنيون في مصر، في القرن الرابع الهجري، زمن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي (362هـ)، وقد اتخذ الحوثيون هذه المناسبة وسيلة لترسيخ نفوذهم السياسي والمذهبي تحت ستار محبة النبي صلى الله عليه وسلم.
وثقت وكالة رويترز (تقرير 21 سبتمبر 2014)، فقالت: بدأت الجماعة تعيد تشكيل المناسبات الدينية، وجعلت من المولد النبوي أبرز وسيلة لتكريس الولاء للجماعة والسلالة.
وبحسب تقرير موقع العربية نت بتاريخ 29 سبتمبر 2022م، فقد اعتبر الحوثيون المولد يوما مقدسا لإظهار الطاعة لزعيم الجماعة، وألزموا الموظفين والطلاب بالمشاركة في المسيرات والمهرجانات، وجعلوه طقسا سياسيا بامتياز.
وفي تقرير نشره موقع الشرق الأوسط في 8 أكتوبر 2023م، ورد أن الحوثيين يحوّلون مناسبة المولد النبوي إلى وسيلة لجمع الأموال والتبرعات تحت مسمى دعم فعاليات الاحتفال، وأن اللجان الميدانية التابعة لهم تجبر المواطنين والتجار على دفع مبالغ محددة، يقال إنها لنشر محبة النبي لكن الجماعة تحوله لدعم الجبهات والأنشطة العسكرية.
كما أوردت صحيفة المشهد اليمني بتاريخ 26 سبتمبر 2022م، أن وزارة التربية في صنعاء الخاضعة للحوثيين فرضت على المدارس تنظيم فعاليات للمولد تتضمن أناشيد تمجد حسين بدر الدين الحوثي وشعارات الجماعة، بدلا من ذكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليمه.
بل وصل الأمر إلى احتكار كل تفاصيل الاحتفال: الزينة، الخطب، الشعارات، وحتى الأناشيد، إذ لا يسمح بأي مظهر لا يحمل الصبغة الحوثية.
وتؤكد منظمة سام للحقوق والحريات في تقريرها الصادر في 2023م أن الحوثيين حولوا المولد إلى أداة لتجنيد الأطفال وغسل أدمغتهم تحت غطاء ديني، وأن كثيرا من الفعاليات الدينية أصبحت تستغل لتجنيد الفتيان أو جمع الأموال باسم حب النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا التحوير المنهجي جعل المولد وسيلة لبث الخوف لا الإيمان، ولتعميق الانقسام لا الوحدة، ولترسيخ عبادة الجماعة لا محبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأصبح الشباب اليمني، كما تنقل تقارير العربية و الشرق الأوسط، ينفرون من حضور هذه المناسبات بعدما أدركوا أنها لم تعد منابر للرحمة والذكر، بل مسارح للدعاية السياسية.
وقد جاء تقرير هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) في التقرير العالمي لعام 2024 ليشير إلى اتساع نطاق السيطرة الحوثية على الحريات الدينية والتعليمية، وتحويل المدارس والمساجد إلى أدوات تعبئة حزبية، ولم يغفل التقرير الإشارة إلى أن المناسبات الدينية في مناطق الجماعة تستخدم لترويج أفكارها ومهاجمة خصومها تحت ستار الاحتفاء بالمناسبات الإسلامية.
كما أكّد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية لعام 2023م (U.S. Department of State – International Religious Freedom: Yemen) أن الحوثيين يقيدون حرية ممارسة الشعائر الدينية، ويستغلون المناسبات الدينية لتجنيد الجماهير قسريا وبث خطاب سياسي مذهبي.
إن هذا التتابع الزمني للتقارير يكشف صورة متكاملة:
المولد الذي كان مناسبة، صار عند الحوثيين موسما للجباية، ومنبرا للولاء، ومسرحا لغسل العقول وتطويع الجماهير.
كل خطبة تلقى في تلك الاحتفالات لا تتحدث عن سيرة المصطفى بقدر ما تتغنى بآل البيت وفق المفهوم الحوثي، وكل راية ترفع لا تحمل محمدا رسول الله وحدها، بل تتجاور معها شعارات الصرخة والولاء للزعيم.
حتى الزينة والأناشيد، لم تسلم من التسييس، فقد فرضت الجماعة – كما نقلت وسائل الإعلام المحلية – أن تكون الزخارف والشعارات والأناشيد كلها تحمل الهوية الحوثية، ومنعوا أي مظهر للاحتفال لا يخدم مشروعهم الدعائي.
وهكذا تحولت ذكرى النبي صلى الله عليه وسلم إلى وسيلة لإشعال الأحقاد، وتقديس البشر، وتمويل الحرب، وتوسيع الهيمنة.
لقد أراد الحوثي أن يلبس عباءته عباءة النبي، وأن يرفع صوته بصوت الرسالة، لكنه لم يرث عن محمد صلى الله عليه وسلم إلا اسمه، بينما ضيع روحه وعدله ونوره.