وحدة الصف والواقع المخيف
(ضمن سلسلة مقالات متنوعة)
الحلقة (9)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
نعيش هذه الأيام زمن الغربة والجفوة، حيث تغيرت المفاهيم وانقلبت الموازين باتحاد أهل الشر على اختلاف مشاربهم الفاسدة ضد أصحاب المنهج الشرعي الذي تفرق أهله شذر مذر، حتى تفرغ بعضهم لبعض تجريحاً، وتحذيراً، وعداوةً، ولا زلنا بين الحين والآخر نسمع عن مجموعة متآلفة متحابة في الله، قد انقسمت إلى مجموعتين متناحرتين متباغضتين، وفي يوم آخر افترقت المجموعتان إلى أربع، وهكذا تشطير يتلوه آخر.
لقد دبَّ في أوساطهم الاختلاف غير المحمود الذي مزق شملهم، وفرق كلمتهم، وأضعفهم أمام الأعداء بسبب الهوى والجهل وحب الظهور والتشفي والانتقام والتحزب إلا من رحم الله، مما سهل على الأعداء اختراق صفوفهم من حيث لا يشعرون.
في الوقت نفسه: استغل الإعلام المزيف والحركات المشبوهة من ماسونية وعلمانية وغيرها انشغال أولئك الصفوة بخلافاتهم، فاجتهد في نشر الفساد والرذيلة والشائعات والأكاذيب وشجع على تمزيق الأمة وتوسيع دائرة الخلاف والتغريب والتجهيل، كما نشطت أيادي خفية من هيئات سياسية ومنظمات داخلية وخارجية، وحقوقية مزيفة للعمل على كل ما من شأنه تفريق هذه الأمة الإسلامية المتشعبة، فدخلت فتنة الخلافات المساجد والبيوت والمدارس والمخيمات وتجمعات أصحاب الحيِّ الواحد والقرية الصغيرة، وبين الإخوة في البيت الواحد، ودبَّت في الصفوف الحزبيات الفردية والجماعية حتى فرقت بين القريب وقريبه والصديق وصديقه والشيخ وتلامذته، والأخ وأخيه، وصار لكل مجموعة مسجد أو مخيم أو محفل أو معهد لا يقبلون من يدرس فيه أو يحاضر أو يدعو إلى الله سوى من كان على هواهم وشاكلتهم، بل لمسنا ذلك في بلاد العجم في أوربا، ودول شرق آسيا، وبعض البلدان النائية البعيدة ذات الأقليات المسلمة.
كما دخل في الأوساط ميليشيات طائفية مسلحة لا تعرف إلا لغة الرصاص وقتل كل من يخالفها، مع تفجير البيوت والمساجد والمعاهد والمدارس بحجة أن المشرفين عليها ضد هذه الطائفية التي يتعارض منهجها مع الدين والعقل والعرف، وصار كل من يخالف هذه الطائفة الشاذة متهما منها بتهمة الدواعش وتنظيم القاعدة والمرتزقة والعمالة ونحوها من التهم التي لا يمكن تطبيقها على الواقع، رغم أن هؤلاء المتهمين بهذه التهم أشد الناس عداوة لليهود والنصارى والملاحدة والدواعش من أتباع هذه الطائفة العنصرية المسلحة، لكن للأسف صرنا في زمن الغربة وقلب الحقائق، والضحك على بعض المغفلين.
لقد صار العقلاء وأهل الحلم والعلم الصحيح وأهل التجارب والتاريخ والنسب - بسبب هذا الواقع المرير - في حيرة من إيجاد الحلول الإيجابية لجمع الناس على كلمة التوحيد ونبذ الخلاف والعنصريات الجاهلية، حتى فضل بعضهم الصمت والسكوت، وصار لسان حاله يقول:
قَالُوا سَكَتّ وَقَد خُوصِمتَ قلتُ لـــهم إنّ الجَوابَ لِبَابِ الشّرِ مِفتــــــــــــاحُ
والصّمتُ عن جَـاهلٍ أو أحْمَقٍ شَرَفٌ وفيهِ أيضًا لِصَوْن العِرضِ إصــــلاحُ
أمَا تَرَى الأسْدَ تُخشَى وهي صَاِمــتةٌ والكَلبُ يُخْسَى لَعَمْري وهو نَبّــــــاحُ
فما أحوجنا للوعي والابتعاد عن العنصرية والعمالة والارتزاق وبيع الأوطان والكذب مقابل مكاسب سياسية أو عنصرية أو طائفية أو مالية، فيا ليت شعري من يدرك أخطار ذلك؟!!!
يا بني وطني: لقد اختلفنا حتى تمزقنا، وتقطعنا إرباً إربا، واستحل عدونا حرمتنا وصفنا، وصرنا من أشقى الشعوب بعد أن خلقنا الله لنسعد بالوحي الرباني المتمثل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
خُلِقَ العِبادُ إِلى السَعادةِ وَالصَفا لَكِن لِسوء الحَظِّ ما أَشقــــــــانا
حَسَدٌ وَبُغضٌ وَاِغتيابٌ قَد فَشــا بَينَ الشُعوبِ وَهَدَّمَ الأَركـــــانا
لَوكانَ فينا ألفةٌ وَتَحــــــــــــاببٌ ما اِستَعبَدَتنا في الوَرى أَعدانـا
اللهم اجمع كلمتنا ووحد صفنا، وارحمنا برحمتك يا كريم.