المُنْشَقُّون وَشهْوةُ التَّجرِيح
(ضمن سلسلة مقالات متنوعة)
الحلقة (20)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
لقد خلق الله الخلق وجَبَلَهم على الخطأ والمعصية ليعلم العباد أن الكمال لله وحده، وأنه غني عن الخلق ، وأنهم فقراء لا غنى لهم عنه ، محتاجون إليه في كل حركاتهم وسكناتهم.
ولا يمكن لعاقل أن يدَّعي العصمة والسلامة إذ هذا من الأمور المستحيلة عقلاً وشرعاً.
لذا جعل الله دواء المعصية التوبة، ومن تاب تاب الله عليه، وهذا ما أجمعت عليه أمة الإسلام من زمن النبوة حتى يومنا هذا.
إلا أن طبقةً من الناس اليوم وقد ينتسبون إلى العلم - وهم أبعد ما يكونون منه - يشككون في من أظهر التراجع عن خطئه لكونه يخالفهم الرأي أو ينكر عليهم التنطع وأكل لحوم العلماء.
حتى أظهر بعضهم أن فلاناً من الناس لم يتراجع وأن ما يخفيه غير ما يظهره، فيا سبحان الله اطلع الغيب!؟ ودخل في قلوب العباد حتى يشهد بأمر غيبي، هذه سفاهة ظاهرة.
فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح البخاري: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم".
و قال لأسامة في الرجل الذي قتله بعد أن قال لا إله إلا الله، وأصل الحديث في صحيح مسلم: ”كيف قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ فرد أسامة وقال: إنما قالها: تعوذاً.
قال: ” فهلا شققت عن قلبه“.
وأخرج البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب أنه قال: «فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ».
لقد ضيَّعوا أوقاتاً كثيرة في نقد فلان وذكر أخطائه والبحث والتصيد عن أخطاء جديدة ونشرها بين المجتمعات دون تفريق بين متعلم وجاهل حتى أفسدوا ذات البين وانتشرت فيهم النميمة وفشا الكذب بما يزيده بعض الجهال بقصد إسقاط فلان المتعلم الناصح، معتمدين في منهجهم هذا على أقوامٍ ينتسبون للعلم لم يمنعهم داء الحسد أو الهوى أو سوء فهم مقاصد الشريعة من تشجيع هؤلاء بحجة تمييز المجتمعات من الأدعياء.
وهذا اعتبار فاسد، ومثل هؤلاء المشجعين لا يعدون قدوةً حسنة ولا حجة مستقيمة لكون الباعث لهم سيئاً وهو الحسد أو الهوى أو سوء فهم مقاصد الشريعة أو التنافس لكسب وجوه الناس إليهم أو نحو ذلك..
ولو سلمنا لهم بالعلم على ما هم عليه من الانحراف لجزمنا قطعاً حرمة متابعتهم في هذه البدعة.
إنهم قومٌ عُرِفوا بشهوة التجريح وسوء الظن وحمل الكلام على أسوأ المحامل والتربص والترصد والفرح بالخطأ والغيبة والنميمة، لا يردون السلام، ولا يسلمون، ولا بشاشة في وجوههم ولا رحمة لإخوانهم الدعاة في قلوبهم إلا من كان على شاكلتهم، ولهذه الأسباب المنكرة يرى العلماء وطلاب العلم وعموم العوام الوحشة فيهم، وغياب الأدب ومحاسن الخلق، إلا أن صورهم صور الصالحين فإذا اجتمعوا أو خطبوا أو كتبوا ظهروا على حقيقتهم الغوغاء فهل مثلَهم يكون الرجال المصلحون؟
قال الشيخ ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح [232]: "بعض طلاب العلم الآن أجفى من الأعراب، لا عنده بشاشة ولا تسليم ولا تواضع، بل بعض الناس كلما ازداد علماً يزداد كبراً والعياذ بالله، والعالم حقاً هو الذي إذا ازداد علماً ازداد تواضعاً". اهـ