الثلاثاء 5 ربيع الآخر 1446 هـ || الموافق 8 أكتوبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    دورة تدريس علوم الحديث    ||    عدد المشاهدات: 6250

حكم رواية المبتدع للحديث

الحلقة (31)

بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني

السابع: رواية المبتدع

بهذا الدرس ننتهي من أقسام الحديث المردود بسبب الطعن في الراوي، وسنعرج قريباً إن شاء الله على مسائل متفرقة لا يستغني عنها طلبة الحديث من خلال مجموعة دروس، مع بيان أصول الرواية وصيغ الأداء، ثم نتكلم عن صيغ جرح الراوي وتعديله عند علماء الجرح والتعديل، مع بيان طبقات الرواة، وبها نختم دورتنا الأثرية المباركة، فأقول وبالله التوفيق:

اختلف المحدثون في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر بسبب بدعته، فمنهم من ردَّ روايته مطلقا لأنه فاسق بسبب بدعته.

ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعياً إلى بدعته أو لم يكن.

وقال قوم: تقبل روايته إذا لم يكن داعيةً، ولا تقبل إذا كان داعية إلى بدعته، وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء.

والقول برد روايتهم مطلقاً ضعيف جداً ففي "الصحيحين" وغيرهما من كتب أئمة الحديث الاحتجاج بكثير من المبتدعة غير الدعاة، ولم يزل السلف والخلف على قبول الرواية منهم والاحتجاج بها والسماع منهم وإسماعهم.

وقد احتج الشيخان بالدعاة أيضاً، منهم عمران بن حطان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة، وقد أخرج له البخاري وزعم جماعة أنه من دعاة الشراة(أي من الخوارج أو فرقها)، ومنهم عبد الحميد بن عبد الرحمن أخرج له الشيخان، وقال فيه أبو داود السجستاني " كان داعية إلى الإرجاء ".

قال الحافظ في النُّزهة: "والثاني وهو من لا تقتضي بدعته التكفير أصلاً، وقد اختلف أيضاً في قبوله ورده:

فقيل: يرد مطلقاً وهو بعيد.

وأكثر ما عُلل به أن الرواية عنه ترويْجاً لأمره وتنويهاً بذكره.

وعلى هذا فينبغي أن لا يُروى عن مبتدع شيئ يشاركه فيه غير مبتدع.

وقيل: يقبل مطلقاً إلا إن اعتقد حل الكذب كما تقدم.

وقيل: يقبل من لَم يكن داعية إلى بدعته [لأن تزيين بدعته قد يَحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه وهذا في الأصح].

وأغرب ابن حبان فادعى الاتفاق على قبول غير الداعية من غير تفصيل.

نعم، الأكثر على قبول غير الداعية إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المذهب المختار، وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي في كتابه معرفة الرجال: فقال في وصف الرواة: (ومنهم زائغ عن الحق – أي: عن السنة صادق اللهجة فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون مُنْكَراً إذا لم يقوِّ به بدعته).

فال الحافظ: "وما قاله متجه؛ لأن العلة التي لَها رد حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع، ولو لَم يكن داعيةً، والله أعلم" انتهى كلام الحافظ.

والحاصل: أنه تقرر على المختار رد رواية المبتدع الداعية إلى بدعته أو الرواية التي تقوي بدعته، ولا يعني هذا ردَّ أي رواية يرويها وإنما التي توافق بدعته مما انفرد به أو وافقه من كان على بدعته فيها، والله أعلم.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام