الثلاثاء 5 ربيع الآخر 1446 هـ || الموافق 8 أكتوبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية    ||    عدد المشاهدات: 6302

أقوال فضلاء العصر حول «هل العمل شرط صحة أو كمال للإيمان»
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية)
الحلقة (23)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني

هذه بدعة لفظية اختلف فيها بعض مشايخ العصر ممن ينتسب لمنهج السلف – منهج أصحاب القرون المفضلة – ، واختلافهم لا يعدو عن كونه اختلافاً لفظيًّا، فكلهم يقول: «الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية»، وكلهم يقول: «العمل جزء من الإيمان»، وكلهم يقول: «للإيمان ركنان أساسيان، هما: القول والعمل».
لكن بعضهم خاض فيما لا فائدة منه، فقائل يقول: العمل شرط صحة للإيمان، ومن خالفه فهو مرجئ أو وافق المرجئة، وآخر يقول: بل شرط كمال، ومن خالفه فقد وقع في بدعة الخوارج.
وأيضاً من يقول بأنه شرط كمال يقول : إنما نقصد به أصل الإيمان أو مسماه، ومن يقول : بأنه شرط كمال يقول : ليست كل الأعمال شرط صحة، ففيها الواجبات والسنن، ثم يتفقون جميعاً ويقولون: من الأعمال ما تركه كفر، ومنها ما ليس تركه كفراً، وكلهم يعتقدون بمعتقد أهل السنة والجماعة الذي يقول: « أركان الإيمان: قول وعمل واعتقاد» وبهذا القول والمعتقد : أبطل الطرفان القاعدة الفلسفية الاستفهامية «هل العمل شرط صحة أو كمال للإيمان»؟.
إذن الخلاف لفظي، لا واقع له.
فإذا تمعن المحقق في كلام الطرفين وجدهما غير مختلفين سوى من حيث اللفظ لا المآل.
فخلافهم شبه فلسفي، ومسألتهم: علم لا ينفع وجهل لا يضر، فإن من قال: «الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية» فقد برئ من الإرجاء، وكلا الفريقين يقول ذلك.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
« ولا حاجة أن نقول ما يدور الآن بين الشباب وطلبة العلم: هل الأعمال من كمال الإيمان أو من صحة الإيمان؟ فهذا السؤال لا داعي له، أي إنسان يسألك ويقول: هل الأعمال شرط لكمال الإيمان أو شرط لصحة الإيمان؟
نقول له: الصحابة رضي الله عنهم أشرف منك وأعلم وأحرص منك على الخير، ولم يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا السؤال، إذن يسعك ما يسعهم.
إذا دلَّ الدليل على أن العمل يخرج به الإنسان من الإسلام صار شرطاً لصحة الإيمان، وإذا دلَّ على أنه لا يخرج صار شرطاً لكمال الإيمان وانتهى الموضوع، أما أن تحاول الأخذ والردَّ والنزاع، ثم من خالفك قلت : هذا مرجئ.
ومن وافقك رضيت عنه، وإن زاد قلت: هذا من الخوارج، وهذا غير صحيح.
فلذلك مشورتي للشباب ولطلاب العلم أن يدعوا البحث في هذا الموضوع، وأن نقول: ما جعله الله تعالى ورسوله شرطاً لصحة الإيمان وبقائه فهو شرط، وما لا فلا، ونحسم الموضوع»([1]) اهـ.
ثم قسم بعضهم شرط الصحة إلى قسمين فقال: تارك جنس العمل كافر، وتارك آحاد العمل ليس بكافر، فرد الشيخ ابن عثيمين جواباً على سؤال صاحب قطر بقوله: «أما جنس العمل، أو نوع العمل، أو آحاد العمل، فذا كله طنطنة لا فائدة منها»([2]) .
وسبب هذا الخلاف يعود لقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في “الفتح” حيث قال: «فالسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص.. والمرجئة قالوا: هو اعتقاد ونطق فقط، والكرامية قالوا: هو نطق فقط، والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته، والسلف جعلوها شرطاً في كماله، وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى »([3]).اهـ
وهاتان وقفتان عند كلام الحافظ ابن حجر:
الأولى: لم يصح عن أحد من السلف أنه قال: إن الإيمان شرط كمال، وإن كان جل الأعمال من الكمال، وعليه : فهذا مأخذ يؤخذ على الحافظ ابن حجر رحمه الله، ويُلحق هذا المأخذ ضمن التنبيهات والأخطاء التي وقع فيها الحافظ في كتابه ” فتح الباري” وخصوصا أنه تأثر بالمذهب الأشعري اجتهاداً منه، ولا يُلحق بالأشاعرة لكونه كان يتحرَّ الحق، وينصر مذهب السلف في الظاهر.
الثانية: أن الحافظ قيده بقوله «وهذا كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى»، والمختلفون اليوم يخوضون فيما يتعلق بأعمال المكلفين في الدنيا والآخرة وهذا شيء لم يقصده الحافظ بهذا الإطلاق.
وبذا يتبين أن من الأعمال ما هو شرط صحة، ومنها ما هو شرط كمال وهو الغالب في أفعال المكلفين، وقد اتفق الطرفان مآلاً على ذلك، بخلاف المرجئة الذين جعلوا كل الأعمال من غير استثناء شرط كمال في الإيمان، لأنهم يرون أن «الإيمان لا يزيد ولا ينقص ».
وقد أوجز سلفاً ما قلناه سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله حيث قال : «أعمال الجوارح فيها ما هو كمال للإيمان، وفيها ما تركه منافٍ للإيمان، والصواب أن الصوم يكمل الإيمان، الصدقة من كمال الإيمان، وتركها نقص في الإيمان وضعف في الإيمان، معصية، أما الصلاة فالصواب أن تركها كفر أكبر، نسأل الله العافية، وهكذا كون الإنسان يأتي بالأعمال الصالحات، هذا من كمال الإيمان، وكونه يكثر من الصلاة ومن صوم التطوع، ومن الصدقات، فهذا من كمال الإيمان، مما يقوى به إيمانه »([4])اهـ
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.

——— الحواشي ———

([1]) ابن عثيمين، شرح الأربعين النووية عند الحديث رقم (٣٤).
([2]) ردا على سؤال ضمن شريط الأجوبة على الأسئلة القطرية.
([3]) ابن حجر، فتح الباري (١/٤٦).
([4]) ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (٢٨/٩٧).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام