الفقهاء الربانيون نور الأمة، وبهم حفظ الله أحكام الشريعة جملة وتفصيلا
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
الفقه: ليس مجرد مسائل تحفظ، ولا أقوال تُتناقل، ولا أحكام تُسطّر على الورق.
الفقه حياةٌ تُفهم بها الشريعة، ويُستضاء بها طريق العبودية، وتُصان بها النفوس والأعراض والأموال والدماء.
الفقه وعيٌ بحلال الله وحرامه، وتذوقٌ لحكمة الشريعة، وفهمٌ عميق لمراد الله ورسوله، فكيف تعبدُ الله بلا فقه؟ وكيف تسير إلى الله على غير بصيرة؟
أخرج الشيخان عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين".
فلم يجعل علامة الخير في كثرة المال، ولا الجاه، ولا المنصب، بل في الفقه، لأن الفقيه يعرف كيف يسير إلى الله، ويهتدي في دروب الفتن، ويضع كل شيء في موضعه.
الفقه هو ما يجعل المسلم يصلي بلا رياء، ويتزوج بلا فجور، ويبيع بلا غش، ويغضب بلا ظلم، ويُحسن بلا منّة.
الفقه هو الذي يصنع الإنسان الرباني، الذي لا يعبد الله على جهل، بل يجمع بين الصدق والصواب.
أما الفقهاء فهم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم، ورثة علمٍ لا يُشترى، وحكمة لا تُباع، وهم حراس الشريعة، الذين نذروا أعمارهم في مدارسة المسائل، والتنقيب في النصوص، وبذل الجهد في الجمع والترجيح، لا رغبة في مال، ولا طمعًا في دنيا، بل لله وفي الله.
هم الذين إذا اختلف الناس ردّوهم إلى النص، وإذا ضاقت المسائل وسعتهم الفتوى، وإذا زلّت العقول ثبّتوها بالعلم.
لولاهم لانقلبت العبادات إلى بدع، والمعاملات إلى مظالم، والأنكحة إلى فوضى، والدين إلى تقليدٍ أعمى.
الفقهاء الربانيون لا يُقاسون بكثرة الكلام، بل بصدق الفهم، وسعة الصدر، وقوة الدليل، وشدة الاتباع.
هم الذين ألّفوا، وصنّفوا، ورحلوا، وبذلوا، حتى ورثنا علمًا نعيش به ونسير عليه.
فيا من تستهين بالفقه، أتراك تصلي بلا علم؟
أتراك تعقد بيعة أو نكاحًا بلا فقه؟
أتراك تُحلّ وتُحرّم بهواك؟
إن لم يكن لك فقه، فاعلم أنك على خطر، وأن العبادة بلا فقه كالمسافر بلا زاد.
ويا من تسخر من الفقهاء وتلمزهم: اعلم أنك تطفئ النور الذي به تُبصر، وتهدم الجدار الذي يحميك، فاحذر أن تكون ممن قال الله فيهم: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
فطوبى لكل فقيه علّم الناس الخير، وطوبى لمن تتلمذ على أيديهم ووقّرهم،
وطوبى لمن رفع الفقه فوق الجهل، والعلم فوق الهوى، والشريعة فوق العادة.
ويلزم الفقيه المجتهد أن يكون عالما بعلوم الشريعة، وعلى رأسها علم الحديث ليميز بين الحديث الصحيح من غيره، حتى تكون فتواه وفق أدلة الكتاب والسنة الصحيحة.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
حرر بتاريخ 10 محرم 1447 هجرية