استيقظوا يا مسلمون فالأعداء يحومون حولكم
(ضمن سلسلة مقالات متنوعة)
الحلقة (19)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
لقد كثرت اليوم المخططات العدوانية للنيل من أهل الاسلام وخاصة النيل من الطبقة المحافظة كالعلماء والدعاة والشخصيات الحريصة على هداية الناس حيث جعلوهم مرمى السهام لأسقاط هيبتهم ومكانتهم وتشويه سمعتهم لدى المجتمعات لأجل ابعاد الناس عن هؤلاء الفضلاء ليعيشوا بعيدين عمن يبصرهم بأمور دينهم ودنياهم، وذلك أن العلماء إذا سقطت هيبتهم ومكانتهم ولم يُعدوا مراجع للأمة في الفتوى والوعظ والارشاد سهل على الأعداء تنفيذ مشاريعهم التي تفسد الأفكار والأخلاق والمجتمعات، وهذا مخطط خبيث يعملون له ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، ولذا يجب على أبناء الأمة أن ينتبهوا لهذه المخططات الدنيئة، فإذا وجدوا من يشوه سمعة العلماء والدعاة، ويتكلم عليهم بسوء، فإن الواجب عليهم - كمسلمين غيورين على دينهم - التصدي لمثل هؤلاء الرعاع والذب عن أعراض إخوانهم العلماء للمحافظة على البيت المسلم الواحد مهما اختلفنا وتراشقنا بالكلمات بيننا، ليظل خلافنا خلافاً في دائرتنا كمسلمين دون أن نتيح للعدو وأدواته في وطننا الاسلامي من أن يستغل خلافنا ويستثمره لصالح مخططاته، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا " ثم شبك بين أصابعه" ([1]).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" ([2]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه" ([3]).
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "ويحكم - أو قال: ويلكم - لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" ([4]).
فانتبهوا - رحمكم الله - فإن عدوكم اليوم في الداخل والخارج يستخدم كل الوسائل والتقنيات الحديثة على مستوى دولي وعربي لهذه المهمة النجسة التي يتزعمها أعداء الله وعلى رأسهم الصهيونية العالمية بمشاركة أيادي عربية تعمل لصالح الغرب، مستغلين ما بأيديهم من وسائل حديثة كالإعلام المرئي والمسموع والمقروء ووسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر والواتس أب ونحوها لأجل إفساد المسلمين وتمزيق صفوفهم.
والأعجب من ذلك أن يخترق الأعداء ومن يعمل معهم في البلاد العربية والاسلامية صفوف بعض المتدينين ليستخدموهم كأداة من حيث لا يشعرون في تمزيق الصف واضعافه.
إن أعداء الدين لا يفرقون في عداوتهم بين عالم وداعية وبين جماعة وأفراد، بل يعتبرون الجميع قالباً واحداً مهما اختلفوا، وهذه لفتة مهمة يجب أن يعيها بعض المشايخ والدعاة الذين ينقصهم الوعي الثقافي لما يدور حولهم من أخطار.
إن منهج الله هو كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن خرج عن هذا المنهج تعرَّض للضلال، فليكن أن الجماعة الفلانية أخطأت أو ضلت ونحن اليوم أمام هجمة شرسة، فإن هذا الأمر لا يعني أن أسكت عن الخطأ، بل يجب أن أنصح بعلم وحلم وحكمة ولين وأنا أجابه كل الأخطار بكل ما أوتيت من قوة بعلم واتزان، فلا أنشغل بخطأ شخص ما أو جماعة وأترك مجابهة العدو الأكبر، بل لا بد من الأمرين، فهكذا كانت دعوة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ومنهجه متضمنةً مجابهة العدو مع مناصحة من حوله من الصحابة، لأن السكوت على الخطأ قد يكون السبب الرئيس في فشلي أمام مجابهة العدو وخاصة إذا كان الخطأ عقدياً أو منهجياً، بل أو دون ذلك.
نحن لا نقول " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".
بل نقول " نتعاون فيما اتفقنا عليه وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".
كما يلزم جميع الأفراد والجماعات أن تلتف حول علمائها الربانيين المحكمين كتاب الله وسنة رسوله بعيداً عن التحزب الممقوت، وألا يزرعوا في صفوف الأمة وخاصة شبابها الاستهتار بالعلماء وأنهم لا يفقهون الواقع، وأن علمهم محصور بأحكام فروع الشريعة، لأن هذه دسيسة دخلت في صفوفنا من حيث لا نشعر.
فإن إبعاد الشباب عن العلماء وجعل البديل مكانهم قادة وسياسيين أمر خطير يتسبب في ضياع شبابنا وبعدهم عن العلم الشرعي الصحيح ومنهج الله القويم وخاصة أن عامة القادة في الحركات الاسلامية من العوام الذين لم يطلبوا العلم فقد يبيح القادة أشياء للأتباع تتصادم مع الدين فيظنها الشباب جائزة، وهذا ما نئن منه اليوم، وذلك أن بعض الأمور كانت محرمة وفقاً للأدلة الشرعية ثم مع مرور الزمن صارت جائزة بسبب هذا الخلط المنهجي الخطير.
ولذا فإبعاد الشباب عن العلماء عين التحزب الذي يستغله عدونا اليوم ليقتنص شبابنا بالتدريج ويوقعهم في أفكار ومفاهيم خاطئة تكون سبباً في الصد عن دين الله وأحكامه.
الخطر اليوم عظيم ومن لا يعي الخطر فمعناه أنه ينتظر وصوله بغتةً من حيث لا يشعر.
إن أخوف ما يخاف منه العدو هو أن يكون المسلمون قوة واحدة متحدين ومتناصحين على كتاب الله وسنة رسوله.
ولقد عقد الأعداء مؤتمرات وندوات كثيرة لمناقشة الصحوة الاسلامية في الوطن العربي وناقشوا كيفية القضاء عليها بشتى الوسائل الحديثة والمتقدمة واستخدموا بعض الدعاة والشباب المسلمين وغير المسلمين مقابل دراهم معدودة بحيلٍ شتى، ودعموهم باسم القضاء على المخالفين لهم في الرأي والمنهج، وكلنا ضد أي منهج ردئ يتعارض مع كتاب الله وسنة رسوله، لكن لا نكون أداة لمن يستغل قوتنا لضرب من يسعنا معهم النصح، فإذا انتهى العدو ممن استخدمنا ضده تفرغ لنا، وهذا هو عين المخططات التي تسعى لها فصائل الأعداء.
ومن هذه المؤتمرات والندوات الدولية أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1983م تولت التمويل مع الصهاينة لأكثر من مائة وعشرين مؤتمراً وندوة في موضوع " دراسة سبل القضاء على الصحوة الإسلامية" وتم الخروج بمخططات واستراتيجيات للعمل على القضاء عليها ومنع انتشارها.
وقد صدر عن اجتماع وزير الخارجية الألماني الأسبق بوبكا فشر مع كاندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية قوله: " إننا نعمل على خلخلة المنطقة العربية عبر الفيسبوك وتويتر"([5]) .
ثم تطالعنا كاندوليزا رايس لتؤكد ذلك وتعترف من خلال القنوات الإعلامية بأن "أمريكا هي من صنعت ثورات الربيع العربي ".
كما صرحت كاندوليزا رايس أمام الكونغرس الأمريكي وقالت: " من الأفضل لواشنطن أن يكون لها حلفاء شباب بدلاً من الذين انتهت صلاحيتهم كما نريد حلفاء لديهم مصداقية".
فانتبهوا على شباب الأمة يا أهل الاسلام واحذروا من تحزبهم وابعادهم من العلماء فإن أفكارهم إذا خلت من العقيدة الصحيحة والمنهج القويم والعلم الشرعي سهل على العدو استغلالهم وتسليطهم على أبناء جلدتهم من خلال القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي ونحوها من الوسائل التي يستغلها الأعداء لمحاربة الاسلام والمسلمين.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
([1]) متفق عليه.
([2]) أخرجه مسلم في صحيحه [ كتاب البر والصلة والآدب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم (8/20 حديث رقم 6751)].
([3]) متفق عليه.
([4]) أخرجه مسلم في صحيحه [ كتاب الإيمان، باب لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض (1/58 حديث رقم 234)].
([5]) اقرأ ما نشرته وكالة " جراسا نيوز" للصحفي أحمد خلال القرعان، بتاريخ ٠٤ـ٠٦ـ٢٠١٢م.