أشدُّ العقوبة أن ترى الحقَّ ولا يوفّقك الله لقبوله
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
يا لله ما أقسى هذه العقوبة، وما أوجعها للقلب حين يُصاب بها دون أن يشعر، إذ يُعرض عليه الحق واضحًا كالشمس في رابعة النهار، وتُتلى عليه آيات بيّنات، وتُحدّثه نفسه الصادقة أن هذا هو الطريق، ولكن لا إذعان، ولا خضوع، ولا قبول! وكأن على قلبه غشاء، وعلى بصره غشاوة، وعلى سمعه وقرا.
كم من إنسانٍ سمع موعظةً هزّت القلوب، ودمعت لها العيون، وارتجفت لها الأرواح، ومع ذلك خرج كما دخل، لم تُحرّك فيه ساكنًا، ولم تفتح له بابًا، ولم تنفذ إلى قلبه ولا لامست وجدانه!
فيا حسرةً على من يُعرض عليه الحق فلا يُوفّق لاتباعه، ولا يُعان على قبوله!
وتلك – والله – ليست خسارةً في الدنيا فقط، بل هي من أعظم العقوبات التي قد تصيب العبد في دنياه قبل أُخراه.
قال الله تعالى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون.
فأيُّ حرمانٍ أعظم من أن يُحجب قلبك عن نور الحق، وأيُّ خذلانٍ أشنع من أن تُعرض عليك رحمة الله فترفضها وأنت لا تدري؟
قد ترى رجلاً غارقًا في الذنوب، فيُبصّر، ويُنصح، ويُذكّر، ولكن لا حياة لمن تنادي، كأن قلبه قد قُيّد، وكأن نفسه قد أُغلقت عنها أبواب الهداية.
وقد ترى آخر يبكي من خشية الله، ويدعو: "اللهم أرني الحق حقًا وارزقني اتباعه"، فتُفتح له الأبواب، ويشرح الله صدره، ويسلك طريق الهداية بخفة وسكينة وعزم.
فالهداية ليست ذكاءً، ولا كثرة علم، ولا وفرة اطلاع، إنما هي نورٌ يقذفه الله في القلب، ورحمةٌ يصطفي بها من يشاء من عباده.
اخرج البغوي في شرح السنة (4/12) بإسناده، قال مالك بن دينار: ما ضُرِب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، وما غضب الله عز وجل على قوم إلا نزع منهم الرحمة.
فانظر إلى نفسك: هل إذا سُمّعْتَ آيةً ارتجف لها قلبك؟، هل إذا دُلِلْتَ على طاعة بادرت إليها؟، هل إذا نُوصِحْتَ استجبت دون لجاج؟، فإن وجدت ذلك فيك، فاحمد الله كثيرًا، فإنما هي نعمة عظيمة، وخير كثير، وإن رأيت من قلبك صدودًا، ومن نفسك تثاقلاً، ومن جوارحك نفورًا عن الطاعة، فبادر بالعلاج قبل أن يستحكم الداء.
ليست العقوبة أن تُصاب في مالك أو جسدك، إنما العقوبة الكبرى أن ترى الطريق إلى الله ثم لا تُوفَّق للسير فيه، أن تقرأ كتاب الله ولا تهتدي، أن تسمع أحاديث الجنة ولا تشتاق، أن تُعرض عليك التوبة فلا تقبلها.
احذر أن يُزيّن لك الشيطان الغواية وأنت تظن أنك على الصواب!
واحذر أن يُعاقبك الله أعظم العقوبة: بأن يُريك طريق النجاة ولا يعينك على أن تخطو إليه!
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
حرر بتاريخ 13 محرم 1447هجرية.