الحديث المدرج والمزيد في متصل الأسانيد
الحلقة (26)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
في اللقائين السابقين تكلمت عن المخالف في قسم النكارة والشذوذ، وهذا يجلبنا - كما قلت في اللقاء السابق - للحديث عن بقية المخالفات في علم المصطلح، وهي ست: إدراج، ومزيد على متصل الأسانيد، وقلب، واضطراب، وتصحيف، وتحريف.
وإليك بيانها مفصلة، فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: المدرج، وهو أقسام:
أحدها: ما أُدرِج في الحديث من كلام بعض رواته فيرويه مَنْ بعده متصلاً فيتوهم أنه من الحديث.
الثاني: أن يكون عنده متنان بإسنادين، أو طرف من متنٍ بسند غير سنده، فيرويهما معاً بسندٍ واحد.
الثالث: أن يسمع حديثاً من جماعة مختلفين في سنده أو متنه، فيدرج روايتهم على الاتفاق ولا يذكر الاختلاف.
وتعمدُ كل واحد من الثلاثة حرام، وقد صنف الخطيب فيه كتابا سماه: "الفصل للوصل المدرج في النقل" فشفى وكفى.
وهذا يعني أن الإدراج يكون في المتن والسند.
مثاله في المتن: حديث أبي هريرة كما في الصحيحين مرفوعاً: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء" فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل".
فزيادة "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" مدرجة، وقد أوصلها بعض الرواة بحديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.
والصحيح أنها مدرجة من كلام أبي هريرة.
قال ابن القيم في "حادي الأرواح" (ص 137): "فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي" اهـ
ومثال الإدراج في الإسناد: ما رواه الترمذي عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن واصل ومنصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال "أن تجعل لله نداً وهو خلقك"
فرواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش لأن واصلاً لا يذكر فيه عمراً بل يجعله عن أبي وائل عن عبد الله.
هكذا رواه شعبة ومهدي بن ميمون ومالك بن مغول وسعيد بن مسروق عن واصل.
ثانياً: المزيد في متصل الأسانيد: وهو ما زيد في سنده رجل فأكثر، والأصل فيه أنه سُمِعَ بهذه الواسطة، ومتصل بها وبدونها.
ومثاله:
ما أخرجه البخاري وغيره قال: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن بكير عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعث فقال: "إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أردنا الخروج " إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله ، فإن وجدتموهما فاقتلوهما"
فالحفاظ يروون هذا الحديث من رواية سليمان عن أبي هريرة بلا واسطة، فخالفهم محمد بن إسحاق فرواه في السيرة عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير، فأدخل بين سليمان وأبي هريرة رجلاً وهو أبو إسحاق الدوسي.
وأخرجه الدارمي وابن السكن وابن حبان في صحيحه من طريق ابن إسحاق، وأشار الترمذي إلى هذه الرواية، ونقل عن البخاري أن رواية الليث أصح، وسليمان قد صح سماعه من أبي هريرة، فتكون رواية ابن إسحاق من المزيد في متصل الأسانيد.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.