مراتب وألفاظ جرح رواة الحديث
الحلقة (37)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني
ثانياً مراتب ألفاظ الجرح:
المرتبة الأولى: أسوأ التجريح، وهو الوصف بما دل على المبالغة فيه، وأصرح ذلك التعبير بأفعل كأكذب الناس، وكذا قولهم إليه المنتهى في الوضع، وهو ركن الكذب ونحوه.
المرتبة الثانية: كذَّاب أو يضع الحديث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو يكذب أو وضاع وكذا دجال أو وضع حديثاً.
المرتبة الثالثة: فلان يسرق الحديث فإنها كما قال الذهبي أهون من وضعه واختلافه في الإثم إذ سَرْقة الحديث أن يكون محدث ينفرد بحديث فيجيء السارق ويدَّعي أنه سمعه.
قال السخاوي: وأن يكون الحديث عُرِف براوٍ فيضيفه لراوٍ غيره ممن شاركه في طبقته.
قال: وليس كذلك من يسرق الأجزاء والكتب فإنها أنحس بكثير من سرقه الرواة.
ومن هذه المرتبة: فلان متهم بالكذب أو بالوضع، وفلان ساقط، وفلان هالك، وفلان ذاهب أو ذاهب الحديث، وفلان متروك أو متروك الحديث أو تركوه.
قال ابن مهدي: سئل شعبة مَن الذي يُترك حديثه؟
قال: من يتهم بالكذب، ومن يكثر الغلط، ومن يخطئ في حديث يجمع عليه فلا يهتم بنفسه ويقيم على غلطه، ورجل روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون.
وكذا منها مجمع على تركه، أو فيه نظر، وفلان سكتوا عنه وكثيراً ما يعبر البخاري بهاتين الأخيرتين فيمن تركوا حديثه، بل قال ابن كثير إنهما أدنى المنازل عنده وأردأها.
قال السخاوي: لأنه لورعه قلَّ أن يقول كذاب أو وضاع، نعم ربما تقول كذَّبه فلان، ورماه فلان بالكذب فعلى هذا فإدخالهما في هذه المرتبة بالنسبة للبخاري خاصة مع تجوزٍ فيه أيضاً وإلا فموضعهما منه التي قبلها، ومنها فلان لا يُعتبر به عند المحدثين أو لا يعتبر بحديثه، وفلان ليس بالثقة أو ليس بثقة أو غير ثقة ولا مأمون ونحو ذلك.
المرتبة الرابعة: وهي فلان رُدَّ حديثه بالبناء للمفعول يعني بين المحدثين أو رَدُّوا حديثه أو مردود الحديث، وكذا فلان ضعيف جداً، وفلان واهٍ بمرة أي قولاً واحداً لا تردد فيه، وواهٍ فقط، وتالف، وفلان طرحوا حديثه، وفلان ارم به مطرح، أو مطرح الحديث، وفلان لا يكتب حديثه أي لا احتجاجاً ولا اعتباراً، ولا تحمل كتب حديثه، أو لا تحل الرواية عنه، ومنه قول الشافعي: "الرواية عن حرام بن عثمان حرام"، وفلان ليس بشيء، أو لا شيء، أو فلان لا يساوي فلساً، أو لا يساوي شيئاً، ونحو ذلك.
وما أدرج في هذه المرتبة من "ليس بشيء" هو المعتمد، وإن قال ابن القطان: إن ابن معين إذا قال في الراوي ليس بشيء إنما يريد أنه لم يرو حديثاً كثيراً.
وعن المزني قال سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول فلان كذاب، فقال لي يا أبا إبراهيم أكس ألفاظك أحسنها لا تقل فلان كذاب ولكن قل حديثه ليس بشيء، وهذه تقتضي أنها حيث وجدت في كلام الشافعي تكون من المرتبة الرابعة.
المرتبة الخامسة: فلان ضعيف، وكذا منكر الحديث، أو حديثه منكر، أو له ما ينكر أو مناكير، وفلان واه، وفلان ضعفوه، وفلان لا يحتج به.
المرتبة السادسة: فلان فيه مقال، أو أدنى مقال، أو في حديثه ضعف، وفلان تنكر يعني مرة وتعرف يعني أخرى، وفلان ليس بذاك، وربما قيل ليس بذاك القوي، أو ليس بالمتين أو ليس بالقوي.
قال الدارقطني في سعيد بن يحيى أبي سفيان الحميري: هو متوسط الحال ليس بالقوي، وفلان ليس بحجة، أو ليس بعمدة، أو ليس بمأمون أو ليس من إبل القباب كما قال مالك في عطاف بن خالد أحد من اختلف في توثيقه وتجريحه، أو ليس بالمرضي، أو ليس يحمدونه، أو ليس بالحافظ، أو غيره أوثق منه، وفي حديثه شيء، وفلان مجهول، أو فيه جهالة، أو لا أدري ما هو، أو للضعف ما هو يعني أنه ليس ببعيد عن الضعف، وفلان فيه خُلْف، وفلان طعنوا فيه، أو مطعون فيه، وكذا فلان نزكوه بنون وزاي أي طعنوا فيه، وفلان سيء حفظ، وفلان لين الحديث أو فيه لين.
قال الدارقطني: إذا قلت فلان لين لا يكون ساقطاً متروك الحديث، ولكن مجروحاً بشيء لا يسقط به عن العدالة، وفلان تكلموا فيه، وكذا سكتوا عنه، أو فيه نظر من غير البخاري ونحو ذلك.
والحكم في المراتب الأربع الأوُل: أنه لا يحتج بواحد من أهلها
ولا يستشهد به، ولا يعتبر به، وكل من ذكر من بعد لفظ لا يساوي شيئاً وهو ما عدا الأربع بحديثه اعتبر أي يخرج حديثه للاعتبار لإشعار هذا الصنيع بصلاحية المتصف بها لذلك وعدم منافاتها لها.
إلا ما قال البخاري على اصطلاحه من قلت فيه: منكر لا يحتج به.
وفي لفظ: لا تحل الرواية عنه.
وهذا اصطلاح خاص بالبخاري، فإذا قال ذلك في راوي فإن حديث الراوي لا يصلح في الشواهد والمتابعات.
فتلك سبع مراتب للتعديل سبقت في الحلقة السابقة، وهذه ست للتجريح، وقد جعلها السخاوي ستاً بست وجعل مرتبة التعديل الثانية والثالثة واحدة وفرقنا بينهما للاختلاف في القوة.
تنبيه: عند تعارض الجرح مع التعديل يقدم التعديل لأن الأصل عدالة المسلم، إلا إذا كان الجرح مفسراً والتعديل مجملاً فيقدم الجرح المفسر على التعديل من عارف بأسبابه.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.