السبت 30 ربيع الآخر 1446 هـ || الموافق 2 نونبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    دورة تدريس علوم الحديث    ||    عدد المشاهدات: 5552

الحديث المضطرب

الحلقة (28)

بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني

من المخالفات التي تطرأ على الحديث سنداً ومتناً: القسم الرابع، وهو المضطرب، فأقول:

رابعاً: المضطرب

وهو الحديث الذي يُرْوَى على أوجه مختلفة متقاومة من حيث الصحة، فإن ترجحت إحدى الروايات على الأخرى بوجه من وجوه الترجيح بأن يكون راويها أحفظ، أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك فالحكم للراجح، ولا يكون حينئذ مضطرباً.

والاضطراب قد يقع في السند أو المتن أو من راوٍ أو من رواة.

والمضطرب ضعيف لإشعاره بأنه لم يضبط.

مثاله في السند:

حديث مجاهد عن الحكم بن سفيان الثقفي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في نضح الفرج بعد الوضوء "أنه بال ثم توضأ، ونضح فرجه" والحديث أخرجه الأربعة إلا الترمذي.

فقد اخْتُلِف فيه على أقوال كثيرة:

فقيل: عن مجاهد عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه.

وقيل: عن مجاهد عن الحكم بن سفيان عن أبيه.

وقيل: عن مجاهد عن الحكم غير منسوب عن أبيه.

وقيل: عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه.

وقيل: عن مجاهد عن سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان.

وقيل: عن مجاهد عن الحكم بن سفيان بلا شك.

وقيل: عن مجاهد عن رجل من ثقيف يقال له الحكم أو أبو الحكم وقيل: عن مجاهد عن أبي الحكم أو أبي الحكم بن سفيان .

وقيل:عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فهذا الاختلاف بهذا النمط موجبٌ للإضطراب على قول، والصواب: أنه أمكن الترجيح فدل على صحة هذا الحديث.

ومثال الاضطراب في المتن:

فيما أورده العراقي حديث فاطمة بنت قيس قالت: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الزكاة.

فقال: "إن في المال لحقاً سوى الزكاة".

أخرجه الترمذي في سننه رقم (659، 660) من رواية شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة.

وأخرجه ابن ماجه في سننه رقم (1789) من هذا الوجه بلفظ: "ليس في المال حقٌ سوى الزكاة".

قال: فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل.

وردَّه السيوطي فقال: لا يصلح مثالاً فإن شيخ شريك ([1]) ضعيف فهو مردود من قِبَلِ ضعف راويه لا من قبل اضطرابه، وأيضاً فيمكن تأويله بأنها روت كلاً من اللفظين عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن المراد بالحق المثبت المستحب وبالمنفي الواجب ([2]).

ثم قال: والمثال الصحيح ما وقع في حديث الواهبة نفسها من الاختلاف في اللفظة الواقعة منه -صلى الله عليه وسلم- ففي رواية عند الجماعة: "زوجتكها".

وفي رواية للبخاري: "زوجناكها".

وفي رواية في غير الصحيح: "أمكنَّاكها".

وفي رواية عند البخاري والنسائي: "ملكتُكها" .

فهذه ألفاظ لا يمكن الاحتجاج بواحد منها حتى لو احتج حنفي مثلاً على أن التمليك من ألفاظ النكاح لم يسغ له ذلك.

ثم قال قلت: وفي التمثيل بهذا نظر أوضح من الأول.

فإن الحديث صحيح ثابت.

وتأويل هذه الألفاظ سهلٌ فإنها راجعة إلى معنى واحد ([3]).

قلت: والذي يغلب عليه الظن أن الاضطراب في المتن يمكن دفعه بالتأويل أو الترجيح.

وقد لوحظ ذلك من خلال التتبع لأمثلة المحققين من أهل المصطلح واختلافهم.

فذاك يأتي بالمثال، وآخر يرده أو يُظْهِرُ التأويل أو الترجيح ونحو ذلك من الدفع والرد، ولم أقف لأحد على مثال سليم في هذا الباب إلا وعورض بعارض ولا يعني ذلك عدم وجوده بل قد يوجد ولكنه نسبي، ولذا أعرضت عن ضرب مثال مقطوع فيه لإمكان المعارضة.

بخلاف اضطراب السند فالغالب وجوده وشهرته، والله أعلم.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

 

([1])  شيخ شريك هو أبو حمزة ميمون الأعور ضعفه البخاري وأحمد ويحيى وغيرهم.

([2])  لا يلتفت إلى التأويل طالما والحديث لا يصح، إنما التأويل فيما ظاهره التعارض بين حديثين فأكثر مما صحَّ سنده.

([3])  انظر تدريب الراوي (1/ 267).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام