الثلاثاء 9 رمضان 1445 هـ || الموافق 19 مارس 2024 م


قائمة الأقسام   ||    دورة تدريس علوم الحديث    ||    عدد المشاهدات: 7531

جهالة الراوي

الحلقة (30)

بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني

سنتكلم في هذا اللقاء عن جهالة الراوي التي تعتبر طعناً وسبباً موجباً لرد الحديث، وهذا هو النوع السادس من الطعن في الراوي، فأقول:

السادس: جهالة الراوي

الجهالة سبب من أسباب الطعن في الراوي، وتنقسم إلى قسمين:

الأول: جهالة مَنْ سُمِّي وهي نوعان:

الأولى: مجهول العين، وهو ما روى عنه راوٍ واحد، وليس له وصف يُعرف به، ولم يوثقه معتبر.

الثانية: مجهول الحال، وهو ما عرف وصفه، وروى عنه اثنان فصاعداً ولم يوثقه معتبر، وهو عند بعضهم بمعنى المستور.

وقيل المستور: المجهول الذي جُهِلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر، وبه قال ابن الصلاح وغيره.

وأما من حيث الاحتجاج فقد قيل: إن مجهول العين لا يعتضد بغيره بخلاف مجهول الحال، والذي يترجح هو خلاف ذلك، إذ من قال بالتفريق لم يأت بما يتقوى به مذهبه، والصواب أنهما يصلحان في باب الشواهد والمتابعات لماذا؟

لأن النظر إلى حال الراوي لا إلى عينه، والتفريق بينهما يتلخص في أن مجهول الحال مَنْ عُرِفَتْ عينه بنسب أو أدب أو علم أو ورع أو وصف آخر مما حفظه لنا التاريخ بخلاف مجهول العين فلم يُعرف بأي وصف من هذه سوى أنها عرفت عينه وتلكم الأوصاف لم تزدنا معرفة بحال مجهول الحال فالتفريق بينهما إنما هو من حيث أوصاف لا تعلقَ لها بضبط الراوي وعدالته البته، فكلاهما من حيث المآل متساويان من ناحية حديثية وهذا المطلوب تقريره.

فكل راوٍ لم يُعرف بجرح أو لم يعدله أحد فهو مجهول، وروايته تعضد بغيرها من غير تفريق بين العين والحال على المختار.

إلا أن بعض المتأخرين كابن حجر وابن القيم وغيرهما يقبلون حديث مجهول الحال إن روى عنه ثقتان فأكثر، وبه يقول الشيخ الألباني في مواضع من السلسلة الصحيحة بل وفي عامة كتبه.

ومن ذلك قوله في تمام المنة (ص 20): "نعم يمكن أن تقبل روايته إذا روى عنه جمع ([1])من الثقات، ولم يتبين في حديثه ما ينكر عليه وعلى هذا عمل المتأخرين من الحفاظ كابن كثير والعراقي والعسقلاني وغيرهم" اهـ

أما مجهول الحال الذي روى عنه الثقة الفرد مع الضعيف الشديد الضعف فأكثر فلا يُحَسَّنْ حديثه، ولكن يصلح في الشواهد والمتابعات؛ لأن رواية الثقة الواحد عنه في حاجة مَنْ يعضدها، لكي يُحَّسن مع خفيف الضعف ليرتقي إلى الحسن لغيره.

القسم الثاني: جهالة من لم يُسم وهو نوع واحد ويعرف بالمبهم.

والمبهم نوعان:

الأول: موصوف بتوثيق، كقول الشافعي إذا قال حدثنا الثقة يريد يحيى بن حسان.

فإذا عرف مقصد الراوي بذلك فهو مقام الحجية إذا صح التوثيق فيمن وصف.

الثاني: غير موصوف بتوثيق كقول الراوي حدثني رجل من بني سليم ولم يسمه، فهذا من قسم الضعيف، والكلام في حاله كالكلام في حال مجهول العين.

إلا أن يكون قد أضافه إلى الصحابة فقال مثلاً: حدثني رجل من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مقبول لأن الصحابة كلهم عدول.

تنبيه: هناك فرق بين المبهم والمهمل عند أهل الحديث فالمبهم ما سبق توضيحه، والمهمل: أن يروي الراوي حديثاً عن أحد اثنين متفقين في الاسم فقط من كنية أو غيرها، أو فيه وفي اسم الأب، أو فيهما وفي اسم الجد، أو فيهن، وفي النسبة معبراً عنه بما فيه الاتفاق من غير أن يتميز عن الآخر، كقول وكيع حدثنا سفيان فهذا من المهمل فلا ندري ما المقصود بسفيان هل هو الثوري أو ابن عيينة فكلاهما روى عنه وكيع بن الجراح.

ولمعرفة ذلك يتم البحث والنظر في مظان الحديث حتى يأتي مصرحاً من أصحاب الكتب الأخرى.

فإن لم يجد الباحث أخذ بقاعدة: كل من روى عن متفقي الاسم حُمِلَ من أهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

 

([1])  تصريحه بالجمع لا ينافي ما قلناه في قبوله الاثنين فأكثر لأن هذه طريقته رحمه الله وطريقة غيره ممن التزموا هذه القاعدة، وأمثلة ذلك كثير منها ما ذكره في السلسلة الصحيحة (5/437) حيث ذكر رواية للضياء في الأحاديث المختارة فقال: بسنده الصحيح عن ثور بن زيد عن إسحاق بن جابر العدني عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً.

رغم أن في السند إسحاق العدني وهو مجهول حال وقد روى عنه ثقتان عبد الله بن نافع الصائغ وثور بن زيد ومع ذلك صحح الألباني سند الحديث.

ثم قال رحمه الله: فلعله لذلك قال الحافظ: لا بأس بإسناده" اهـ

قلت: وهذا دليل على أن المتأخرين كابن حجر وغيره لا يقصدون بالجمع في هذا الباب الثلاثة فأكثر بل ويثبت بالثقتين أيضاً.

وفي فتح المغيث للسخاوي (1/ 321ـ322) قال "نعم كثرة رواية الثقات عن الشخص تقوي حسن الظن فيه، وأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون... وعبارة الدارقطني من روى عنه ثقتان فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته، وقال أيضاً في الديات نحوه: اهـ




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام