الغربيون والشرقيون وسياستهم الجديدة في دعم ورعاية الطرق الصوفية
(ضمن سلسلة مقالات متنوعة)
الحلقة رقم (40)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
حاول الغربيون والشرقيون والصهاينة تشويه سمعة الإسلام والمسلمين لتقويض وحدة المسلمين وتشكيك المسلمين بدينهم وإضعافهم، وبث سمومهم الخبيثة من خلال مجموعة من الأدوات التي يرون أنها كفيلة - حسب زعمهم – في القضاء على الاسلام والمسلمين، ومن أشهر هذه الأدوات المحمومة: دعمهم ورعايتهم للطرق الصوفية منذ القدم حتى هذه الساعة، إلا أننا نجد اليوم دعمهم ورعايتهم على مستوى الدول، وبشتى الوسائل المتاحة التي لم تكن قديماً نظراً للتقدم العصري المتزايد.
يقول العلامة البشير الإبراهيمي: "ابحثوا في تاريخ الاستعمار العام، واستقصوا أنواع الأسلحة التي فتك بها في الشعوب، تجدوا فتكها في استعمال هذا النوع الذي يسمّى "الطرق الصوفية"، وإذا خفي هذا في الشرق، أو لم تظهر آثاره جلية في الاستعمار الإنكليزي، فإن الاستعمار الفرنسي ما رست قواعده في الجزائر وفي شمال أفريقيا على العموم وفي أفريقيا الغربية وفي أفريقيا الوسطى إلا على الطرق الصوفية وبواسطتها، ولقد قال قائد عسكري فرنسي معروف، كلمة أحاطت بالمعنى من جميع أطرافه قال: "إن كسب شيخ طريقة صوفية أنفع لنا من تجهيز جيش كامل" [آثار البشير الإبراهيمي (4/36)].
ويقول برنارد لويس: "إن الغرب يسعى إلى مصالحة التصوف الإسلامي ودعمه لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة، وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استُخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة" [جريدة (الزمان) ـ العدد (1633) ـ التاريخ (12/10/2003م). وهو رئيس منتدى الشرق الأوسط بالولايات المتحدة].
ونشرت مجلة (يو إس نيوز آند وورلد ريبورت) الأمريكية، في عددها : 25/4/2005م تقريرا بعنوان: "عقول وقلوب ودولارات"، جاء فيه: "يعتقد الإستراتيجيون الأمريكيون بشكل متزايد أن الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون واحدًا من أفضل الأسلحة؛ ولذا فإنهم يدفعون علنًا باتجاه تعزيز العلاقة مع الحركة الصوفية، ومن بين البنود المقترحة استخدام المعونة الأمريكية لترميم المزارات الصوفية في الخارج والحفاظ على مخطوطاتها الكلاسيكية التي تعود إلى القرون الوسطى وترجمتها، ودفع الحكومات لتشجيع نهضة صوفية في بلادها".
وقد أقيمت مئات المؤتمرات والندوات بمباركة غربية وتشجيع دولي من الأنظمة الغربية والعربية والإسلامية لدعم الطرق الصوفية في البلاد العربية والإسلامية وغير الإسلامية في الدول ذات الأقليات الإسلامية منذ قرون قديمة حتى هذه الساعة، وخرجت هذه المؤتمرات بنتائج وتوصيات تدعو إلى وضع أهداف ومقترحات وخطط ووسائل وبرامج ومشاريع بحثية وميدانية تساعد على تفعيل دور الطرق الصوفية، وذلك بنشرها ودعمها من خلال زواياها ومراكزها في العالم، وتطويرها بإنشاء جامعات ومجلات وصحف وقنوات فضائية، وإذاعات ومواقع إلكترونية وغيرها.
وتعتبر تركيا منذ القدم حتى هذه الساعة أكبر حاضن وداعم للطرق الصوفية في العالم الاسلامي.
ففي (30/1/2004م) نشرت جريدة (يني شفق ) التركية خبراً مفاده أن الرئيس الأمريكي (جورج بوش) عرض على رئيس الوزراء التركي (رجب طيب أردوغان) خلال استقباله في البيت الأبيض يوم (28/1/2004م ) معالم المشروع الأمريكي الجديد لـ (الشرق الأوسط الكبير) الذي يمتد من المغرب حتى إندونيسيا، مروراً بجنوب آسيا وآسيا الوسطى والقوقاز، وحسب ما جاء في الصحيفة؛ فإن المشروع طبقاً لما عرضه الرئيس الأمريكي، جعل من تركيا عموداً فقرياً، حيث تريد واشنطن منها أن تقوم بدور محوري فيه، حيث تتولى الترويج لنموذجها الديمقراطي واعتدالها الديني، لدرجة أن الرئيس الأمريكي اقترح أن تبادر تركيا إلى إرسال وعاظ وأئمة إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي لكي يتولوا التبشير "الصوفي" بنموذج الاعتدال المطبق في بلادهم، وأن هذا النموذج هو الأصلح للتطبيق في العالم الإسلامي"، وقد فعلت تركيا ذلك، وفي الحقيقة تتولى تركيا ذلك رسمياً منذ قيام الجمهورية التركية الحديثة عام 1923م، وتشرف على مجموعة جامعات ومراكز ومساجد صوفية على مستوى العالم، وقد زرت بعضها من خلال رحلاتي لبعض الدول غير الإسلامية، والتقيت ببعض الدعاة المتصوفة الذين شرحوا لي دعم تركيا السخي لهم وللطرق الصوفية في تلكم البلاد ووضع الراتب الشهري لأئمة المساجد والمؤذنين والمشايخ الصوفيين ممن هم تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية التركية، بل كانت الإمبراطورية التركية منذ تأسيسها عام 1453م قائمة على الطرق الصوفية ودعمها، ولا تشارك في الفتوحات الإسلامية إلا برفقة الدراويش وأصحاب الطرق الصوفية كما أشرت إلى ذلك في أكثر من مقال ولقاء.
ولما قامت الحرب على الدواعش في سوريا والعراق من التحالف الدولي واستمرت حتى هذا العام 2018م، أعلن الرئيس التركي الحالي طيب رجب أردوغان أنهم شاركوا في هذه الحرب في سوريا لأجل المحافظة على المشاهد والقباب التي بُنيت على قبور الأولياء، وهي قباب ومشاهد وأضرحة وبنيان بناها أصحاب الطرق الصوفية على قبور بعض الصالحين وقبور بعض مشايخ الطرق الصوفية.
هذا مقال مختصر لتذكير المسلمين بخطر المد الصوفي الذي يلقى اهتماماً بالغاً من أعداء الله لكونه السبيل الأسهل لترسيخ العلمانية في الأوساط الإسلامية، لكون الصوفية جماعة لا تهتم بالعلم الشرعي القائم على الكتاب والسنة ولا تسعى لمعالجة قضايا الأمة ومشاكلها، وإنما هم عبارة عن مجموعة دراويش يقضون معظم طقوسهم وفقاً للرهبنة التي ما أنزل الله بها من سلطان، مقلدين بذلك الرهبانية النصرانية الممقوتة التي جعلها العلمانيون سلماً للوصول إلى مآربهم وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة، وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استُخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة قديماً.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.