مناقشة الدعي ناصر اليماني في إنكاره للمسيح الدجال
مناقشة البيان الثاني – اللقاء الثالث
الحلقة (16)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
هذا هو اللقاء الثالث في مناقشة البيان الثاني للدعي ناصر القردعي.
يقول ناصر: "ثانياً في شأن عقيدتكم في صحة الروايات لفتنة المسيح الدجال بأن الله يؤيّده بالمعجزات فيقول يا سماء أمطري فتمطر ويا أرض أنبتي فتنبت ويُحيي الموتى فيفلق الرُجل إلى نصفين فيمر بين الفلقتين ومن ثم يبعثه حياً بمعنى أنه يُحيي الموتى كما تزعمون، ولكني أنكر ذلك جُملةً وتفصيلاً. فإنّ الله لا يؤيد بآيات المعجزات للتصديق لأهل الباطل وكأنه يريد لعباده الكفر؛ بل يؤيد بآيات المعجزات للتصديق لدعوة الحقّ" اهـ
وأقول وبالله التوفيق: نجد أن الدعي ناصر القردعي وقع في اشكاليتين:
الاشكالية الأولى: انكار صحة أحاديث المسيح الدجال.
الاشكالية الثانية: أنه وقع في شبهة عظيمة وهي أنه لو صدَّق أحاديث المسيح الدجال حسب ظنه لوقع في باطل، وذلك أنّ الله لا يؤيد بآيات المعجزات أهل الباطل.
والجواب على هذه الاشكاليتين كالتالي:
فأما إنكاره لصحة أحاديث المسيح الدجال فلا يرفع عنه التباساً ولا يزيل عنه شبهة، بل يزيده ظلمة وبعداً عن الحق، فإن أحاديث المسيح الدجال صحيحة وكثيرة، ولا ينكرها في العادة إلا صاحب بدعة، أعمى الله بصيرته وران على قلبه بشبه الضلال.
دعونا في البداية نعرف معنى المعجزة، وهل هي خاصة بالأنبياء والرسل أو أنها تصح في غيرهم مثل المسيح الدجال أو بقية المخلوقين كأولياء الله الصالحين ومدعي المهدوية والدجالين؟؟
والجواب: أن المعجزة أمر خارق للعادة يؤيد الله به الأنبياء والرسل لإثبات نبواتهم ورسالاتهم، مقرونة بالتحدي مع عدم المعارضة.
وشروطها أربعة وهي:
الأول: أن تقع على يد نبي أو رسول.
الثاني: أن توافق دعواه، كي تكون تصديقا له.
الثالث: أن تقترن بتحدي النبي لقومه ومن قبلهم له.
الرابع: أن يعجز المخالفون عن معارضته.
ولذا نفهم من التعريف والشروط أن المسيح الدجال لا يؤيد بالمعجزات لكونها من خصوصيات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنما يؤيد المسيح الدجال بالخوارق التي يمتحن الله بها عباده ليميز المؤمن من المنافق.
إذن يجب على ناصر القردعي أولاً أن يطلب العلم الشرعي حتى يعرف الفرق بين المعجزات والخوارق حتى لا يقع في الشبه الشيطانية، والتي منها انكار أحاديث المسيح الدجال بحجة أنه مؤيد بالمعجزات.
فالمسيج الدجال لا يؤيد بالمعجزات لأنه ليس بنبي، بل بالخوارق ليمتحن الله به المؤمنين من المنافقين.
فإذا كان ناصر لا يفرق بين المعجزة والخارق فإن انكاره مبني على جهل، وما قام على جهل فهو باطل.
ولو طبقنا تعريف المعجزة وشروطها على المسيح الدجال وما يحصل له من الخوارق لقطعنا أنه لا يؤيد بالمعجزات.
فالشرط الأول: أن تقع المعجزة على يد نبي أو رسول، والمسيح الدجال دجال وليس نبياً.
الشرط الثاني: أن توافق دعواه، كي تكون تصديقا له، والواقع أن خوارق الدجال لم تكن تصديقاً له بدليل أنه جبار ظالم سفاك للدماء مخيف، فمن خاف منه اتبعه خوفاً من بطشه، وأما النبي فمسالم يتلقى الوحي من الله ويقنع غيره بالحجج والبراهين، فمن اقتنع فبها ونعمت، ومن رفض فقد ظلم نفسه ولا يُكرهه على الايمان بخلاف الدجال فإن من لم يؤمن به قتله كما سيأتي في الأحاديث التالية.
الثالث: أن تقترن بتحدي النبي لقومه ومن قبلهم له، والدجال ليس بنبي حتى يتحدى قومه ومن قبلهم، بل خوارقه لأجل يرعب غيره كي يؤمن به.
الرابع: أن يعجزوا عن معارضته، والواقع أن المؤمنين عارضوه بالشرع المنزل كما سيأتي في الأحاديث التالية، وأيضا لو كانت معجزة لعارضه اتباعه المنافقون والكافرون كما هي سنة الله في أنبيائه ورسله.
فالفرق واضح بين المعجزة والخارق، لكل عاقل يدرك ما نقول.
ولذا لا يعتبر التأييد لأي دجال أو ضال أو منحرف تصديقاً له وأنه على الحق، فإن الله قد يؤيد السحرة والكهان والعرافين وبعض الدجالين ببعض الخوارق ليبتلي بهم المؤمنين، وهذا واقع لا محالة، ولا يمكن إنكاره، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
اشتهرت زرقاء اليمامة في الجاهلية بحدة بصرها, واشتهر بعض السحرة بإمكانه التأثير في حركة الجماد والحيوان والانسان وسحرهم بشتى أنواع السحر، واشتهر الكاهن بأن يخبر عن وقوع بعض الامور المستقبلية وفقاً لما يطلعه به الشياطين لكونه ملبوساً بالمس الشيطاني فيقع بعضها ليبتلي به الناس، واشتهر العراف بأن يحكي لك بعض أسرارك لكونه يتعامل مع الشياطين التي تقرأ ما يدور في ذهنك فتخبره لكونه ملبوساً أيضاً، واشتهر ابليس ومن معه من شياطين الجن بقدرات خارقة وفائقة لإفساد البشر، واشتهر المسيح الدجال بما اشتهر به من الخوارق التي بصددها.
فهل نقول أيدهم الله بالمعجزات لإحقاق الباطل؟ هذا من السفه وخفة العقل والجهل والفهم السقيم.
إذن حجة ناصر سقطت لأن فهمه وتعليله لإنكار المسيح الدجال لم يكن موافقاً للشرع ولا للواقع المشاهد.
وقد أحسن المتنبي عندما قال:
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيـــــــــمِ
وبعد هذه المقدمة - التي أسأل الله أن ينتفع بها ناصر وأتباعه -، أقول:
أولاً: أجمع علماء الاسلام قديماً وحديثاً على خروج الدجال في آخر الزمان للأحاديث المتواترة في ذلك.
ثانياً: إليكم يا معاشر القراء الأكارم جملة من الأحاديث الصحيحة في المسيح الدجال والتي بلغت في جملتها حد التواتر:
الأول: ما أخرجه الإمام مسلم وغيره من حديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله عليه الصلاة والسلام جاء ذات يوم مسرعاً، فصعد المنبر، ونُودي في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، قال: "يا أيها الناس إني لم أدعكم لرغبة ولا لرهبة، ولكنّ تميماً الدّاري أخبرني: أن نفراً من أهل فلسطين ركِبوا البحر فقذف بهم الريح إلى جزيرةٍ من جزائر البحر، فإذا هم بدابةٍ أشعرَ لا يُدرى ذكر هو أم أنثى لكثرةِ شَعره، فقالوا: من أنتَ؟ فقالت: أنا الجساسة؟
فقالوا: فأخبرينا، فقالت: ما أنا بِمخبرَتِكم ولا مُستَخبرتِكم، ولكنْ في هذا الدير رجلٌ فقيرٌ إلى أن يخبركم وإلى أن يَسْتخبركم، فدخلوا الدير فإذا هو رجل أعور مصفّد في الحديد، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن العرب، فقال: هل بُعثَ فيكم النبي؟ قالوا: نعم، قال: فهل اتبعه العرب؟ قالوا: نعم، قال: ذاك خير لهم، قال: فما فعلت فارسُ هل ظهر عليها؟، قالوا: لا، قال: أمَا إنه سيظهر عليها، ثم قال: ما فعلت عين زغر؟ قالوا: هي تَدْفَق ملأى، قال: فما فعل نخل بيسان؟ هل أطعم؟ قالوا: نعم أوائله، قال: فوثب وثبة حتى ظننّا أنه سيَفْلِت، فقلنا: من أنت؟ فقال: أنا الدجال، أمَا إني سأطأ الأرض كلها غير مكة وطيبة، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "أبشروا معاشر المسلمين هذه طيبة لا يدخلها... ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث نفسه عن المسيح الدجال: ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو (وأومأ بيده إلى المشرق). قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
الثاني: أخرج الشيخان عن أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "ما بعث الله من نبي إلا أنذر قومه الأعور الكذاب، إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور, مكتوب بين عينيه كافر".
الثالث: أخرج مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الدجال ذات غداةٍ فخفض فيه ورفع حتى ظنّناهُ في طائفة النخل، فلما رُحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال : ما شأنكم ؟، قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال : غيرُ الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامْرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارجٌ خلَّةً بين الشام والعراق، فَعَاثَ يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله : فاثْبتُوا، قلنا : يا رسول الله وما لُبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يومٌ كسنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا يا رسول الله : فذلك اليوم الذي كسنةٍ أَتكفينا فيه صلاة يومٍ؟ قال : لا، اقْدروا له قدره، قلنا : وما إسراعه في الأرض؟، قال: «كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماءَ فتمطرُ، والأرض فتنبِتُ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون مُمحِلينَ ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويَمُرُّ بالخَرِبَةِ فيقول لها : أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رَمْيَة الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مَهْرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكينِ، إذا طأْطأْ رأسه قَطَرَ، وإذا رفعه تحدّرَ منه جُمَّان كاللؤلؤ".
الرابع: أخرج الشيخان البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس من بلد إلا سيطؤُه الدجال ، إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها نقب، إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رَجَفَاتٍ ، فيخرج الله كل كافر ومنافق ".
الخامس: في كل صلاة بعد التشهد الأخير علمنا النبي عليه الصلاة والسلام الاستعادة من عذاب القبر ومن فتنة المسيح الدجال، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وعذاب النار ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال"، وفي لفظ لمسلم : " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع.." وذكره.
السادس: أخرج البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: "ذكر النبي يوما بين ظهري الناس المسيح الدجال، فقال: إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم، كأحسن ما يرى من أدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح بن مريم، ثم رأيت رجلا وراءه جعدا قططا، أعور العين اليمنى، كأشبه من رأيت بابن قطن، واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ قالوا: المسيح الدجال ".
السابع: أخرج البخاري في صحيحه عن أبي بكرة رضي الله عنه قال إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب ملكان".
الثامن: أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل المدينة المسيح ، ولا الطاعون ".
التاسع: أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق، أم بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصادفوا قالت الروم، خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا. والله! لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم، أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان، إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته.
العاشر: أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي عليه الصلاة والسلام: "يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فتلقاه المسالح، مسالح الدجال، فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، قال فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحداً دونه، قال: فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس! هذا الدجال الذي ذكر رسول الله قال: فيأمر الدجال به فيشبح، فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، قال فيقول: أو ما تؤمن بي ؟ قال فيقول : أنت المسيح الكذاب، قال : فيؤمر به فيؤشر بالمئشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، قال : ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له : قم، فيستوي قائماً، قال ثم يقول له : أتؤمن بي ؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، قال ثم يقول: يا أيها الناس! إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، قال فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً، فلا يستطيع إليه سبيلا، قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة، فقال رسول الله: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين".
وكل هذه الأحاديث صحيحةٌ وهناك غيرها كثير يطول بسطها، وقد بلغت بجملتها عند المحدثين درجة التواتر.
ومن عادة بعض الدجالين على مر العصور ينكرون أحاديث الدجال لأن كلمة "دجال" تهمة ووصف لهم، فحتى يهربوا من هذا الوصف أسقطوا أحاديث المسيح الدجال، وأنكروها.
ومن العجب العجاب أن القردعي زاد كذبة أكبر من الانكار حيث قال في البيان الأول الذي سبق مناقشته فيه: "إن الدجال هو الشيطان"، وهذا من الهراء والكذب الذي لا يتوافق مع أدلة الكتاب والسنة، فالشيطان هو رئيس الجن من الشياطين وأبوهم، وأدلته وأحواله وصفاته تختلف عن المسيح الدجال الذي سبق وصفه في الأحاديث السابقة، ولو كان الشيطان هو المسيح الدجال لما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام المسيح الدجال في أحاديث مستقلة عن الشيطان وحذر منه، وقد سبق أن بينت ذلك للقردعي ورديت عليه في الحلقة رقم (7) من هذه الدراسة فأغناني عن التكرار.
ثم يقول ناصر: "ولكني أفتي في فتنة المسيح الدجال أنها جنة ونار ليس إلا، فأما النار فيستطيع أن يُوقدها أحدكم وأما الجنة فهي جنة الله في الأرض توجد في باطن أرضكم من تحت الثرى في أرض الريحان والأنام في الأرض المفروشة بالخضرة مستوية التضاريس مهدها الله ونعم الماهدون وقد بيناها من القرآن العظيم وفصلناها تفصيلاً وهي أرض المشرقين فتشرق عليها الشمس من جهتين متقابلتين وربها الله وليس المسيح الدجال. تصديقاً لقول الله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} صدق الله العظيم [الرحمن:١٧]، وتصديقاً لقوله تعالى: {الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ﴿٥﴾ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ ﴿٦﴾} صدق الله العظيم [طه]. وقد أمرناكم بالتطبيق للتصديق فتجدون البيان الحقّ حقاً على الواقع الحقيقي" اهـ
وأقول: هذه فتوى عامي لا علم له بالشرع، وقد سبق بيان شروط المفتي وكلها لا تنطبق في ناصر كما في الحلقة السابقة رقم (15) من هذه الدراسة فأغناني عن التكرار.
وإليكم بيان ما ادعاه في الجملة السابقة من الخزعبلات:
أولاً قوله: " فتنة المسيح الدجال أنها جنة ونار ليس إلا " هذا من خزعبلاته التي لا يتقبلها عقل ولا شرع، فالمسيح الدجال عنده فتنة محدودة الأوصاف والقدرات، وفي زمن معين ينتهي خلال أربعين يوماً كما في الحديث السابق الذي نصه: "أربعون يوماً، يومٌ كسنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم" فكيف تكون هذه الفتنة بزمنها وأحوالها المخيفة وأوصافها العجيبة عبارة عن جنة ونار؟!!! شئ لا يتوافق مع العقل ولا مع الشرع، بل هراء ابتدعه من تلقاء نفسه " ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق".
ثانياً قوله: "فأما النار فيستطيع أن يُوقدها أحدكم" هنا يتكلم عن نار الدنيا لأنها هي التي نستطيع أن نوقدها، وهي عبارة عارضة لا معنى لها فيما نحن بصدده، لكن العجيب أنه ذكر بعدها جنة الآخرة، وهذا من التناقض فإن المسيح الدجال معه نار وجنة في الدنيا فأنت تقول بأن النار نار دنيا، فلماذا اختلف سياقك وأفردت الجنة في السياق نفسه بدار النعيم المقيم حيث قلت: "وأما الجنة فهي جنة الله في الأرض توجد في باطن أرضكم من تحت الثرى في أرض الريحان والأنام في الأرض المفروشة بالخضرة مستوية التضاريس مهدها الله ونعم الماهدون.." اهـ
تأملوا في خلطه بسبب عاميته وجهله بالعلم الشرعي وعلم المعاني وسبك العبارات.
كما تقول العامة: "فلان يتوَّه في الكلام" وذلك إذا خبط الكلمات خبط عشواء وساقها في غير موضعها وكررها، وضرب بعضها في بعض، وهذا حال ناصر وحال أهل الأهواء والبدع من دجالين ومبتدعة.
ثالثاً: ذكر الجنة بأنها في باطن الأرض ولم يذكر دليلاً واحداً يفيد ذلك سوى عموميات مثل قوله تعالى: “: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ"، ويقصد أن شروق الشمس وغروبها لا يكون إلا في أرض، فالجنة بهذا الدليل عند ناصر هي في الأرض، لكن يا قردعي الشمس تشرق على الأرض وليس تحت الأرض، وأنت قلت: " وأما الجنة فهي جنة الله في الأرض توجد في باطن أرضكم من تحت الثرى" اهـ
فهل عندك دليل أن الشمس تشرق وتغرب تحت الأرض؟!!! لن تجد يا ناصر، فلا تبتدع بدعاً من القول لا أصل له في الدين.
ثم ذكر دليلاً آخر وهو قوله تعالى: "الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ".
وهذا دليل في غير موضعه لأن الآية ذكرت أن من أملاك الله ما هو بباطن الأرض " الثرى"، ففي باطنها كنوز ونار وصخور ومياه وأتربة ونحوها، ولا تفيد الآية أن الجنة تحت الأرض، فهذا استدلال من لا يحسن الاستنباط.
ثم ختم ناصر هذه الفقرة بقوله: "وقد أمرناكم بالتطبيق للتصديق فتجدون البيان الحقّ حقاً على الواقع الحقيقي" اهـ
والجواب: من أنت حتى تأمر وتنهى وتقرر في قضايا الشرع؟!!!
ثم تريد أتباعك يطبقون ما تسميه تصديقاً لبيانك الذي تسميه الحق على واقع لا وجود له، بل خزعبلات غير واقعية ولا حقيقية.
رحم الله من عرف قدر نفسه يا ناصر!!!!
وقد يتساءل البعض هل الجنة تحت الأرض كما زعم ناصر أو في السماء؟
والجواب أن هذه مسألة يطول فيها البسط، وحاصلها كما قال الله عز وجل: " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين" فكيف تكون الجنة تحت الأرض كما يزعم ناصر، والله ذكر سعة عرضها كعرض السموات والأرض، وناصر جعلها صغيرة وحصرها في باطن أرضنا حسب تعبيره، جهلاً من غير علم.
قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله : "كانوا يرون أن الجنة فوق السماوات السبع، وأن جهنم تحت الأرضين السبع" ([1])اهـ.
ولنا مقام آخر بإذن الله نطيل فيه ونفصل حول مكان الجنة والنار، حتى لا نطيل على القراء الكرام.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
([1]) معالم التنزيل في تفسير القرآن للبغوي (2/104).